قال : فإنّي قد قرأتُ ما بين الدفتين، فوالله ما وجدت لها تحريماً إلاّ أنّ الله قال : فهل أنتم منتهون، فقلنا : لا".
فبات عنده وشربَا وتنادما، فلمّا أراد عيينة الانصراف قال عيينة بن حصن:
جُزيت أبَا ثَوْر جَزَاء كرامةٍ...
فنِعْم الفتى المُزْدَار والمُتَضَيِّف
قَرَيْتَ فأكْرَمتَ القِرى وأفدْتَنَا...
تَحِيَّةَ عِلْم لم تَكن قبلُ تُعرف
وقلتَ : حلال أن ندِير مُدامة...
كَلَوْن انعِقَاقِ البَرْقِ والليلُ مُسدف
وقَدّمْتَ فيها حُجَّة عربيَّة...
تَرُدّ إلى الإنصاف مَن ليس يُنْصِفُ
وأنتَ لنا واللّهِ ذي العرش قُدوَة...
إذا صدّنا عن شُرْبها المُتكَلِّفُ
نَقُول : أبُو ثَوْر أحَلّ شَرَابَهَا...
وقولُ أبي ثَوْر أسَدّ وأعْرف
وحذف متعلّق ﴿ منتهون ﴾ لظهوره، إذ التقدير : فهل أنتم منتهون عنهما، أي عن الخمر والميسر، لأنّ تفريع هذا الاستفهام عن قوله :﴿ إنّما يريد الشيطان ﴾ يعيّن أنّهما المقصود من الانتهاء.
واقتصار الآية على تبيين مفاسد شرب الخمر وتعاطي الميسر دون تبيين ما في عبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام من الفساد، لأنّ إقلاع المسلمين عنهما قد تقرّر قبل هذه الآية من حين الدخول في الإسلام لأنّهما من مآثر عقائد الشرك، ولأنّه ليس في النفوس ما يدافع الوازع الشرعي عنهما بخلاف الخمر والميسر فإنّ ما فيهما من اللذات التي تزجي بالنفوس إلى تعاطيهما قد يدافع الوزاع الشرعي، فلذلك أكّد النهي عنهما أشدّ ممّا أكّد النهي عن الأنصاب والأزلام. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon