والعداوة في هذه الحالة تأخذ من مشاعر كل طرف ؛ لأن العداوة إن كانت من طرف واحد فعمرها قصير، ولكنها تطول إن كانت بين طرفين. ولذلك تكون المعركة حامية بين عدوين يستشعر كل منهما العداوة للآخر. وهي تكون عداوة مؤججة وملتهبة إن لم يتدخل طرف ثالث ليحسم بالحق بين الاثنين، فيخزي الذي على الباطل ويأخذ الحق منه ويعطيه لصاحبه، وهنا يحس صاحب الحق أن هناك من ينصره. وبهذا تحسم العداوة وتنقضي. لكن إن لم يجد الطرفان رادَّا ولا رادعاً، تظل العداوة متوهجة. ولذلك حينما عرض الحق أمر موسى عليه السلام وأمر فرعون، قال عن موسى :﴿ فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ ﴾ [ القصص : ٨ ].
والتقطوا موسى لماذا؟ ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً ﴾ [ القصص : ٨ ].
فهل عرفوا هم من البداية أنه عدو؟ لا، لقد التقطوه ليكون قرة عين لهم، ولكن الله أفسد مرادهم. فاللام في قوله :" ليكون " هي لام الغاية والعاقبة وليست لام العلة الفاعلة، وقد أثبت سبحانه بذلك أن فرعون ليس إلهاً، وأن أتباعه كانوا قوماً مغفلين لا فطنة لهم. فلو كان فرعون إلهاً لعرف أن هذا الوليد الذي سيربيه سيكون عدواً له.
والعداوة هنا هل هي من ناحية موسى فقط تجاه فرعون؟ لا. إنها عداوة بين الله وموسى كطرف، وفرعون كطرف. لذلك قال :﴿ فاقذفيه فِي اليم فَلْيُلْقِهِ اليم بالساحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ﴾ [ طه : ٣٩ ].
ولم تنته هذه العداوة إلا بغرق فرعون. والحق ينبهنا :﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء فِي الخمر والميسر ﴾ و" في " هنا هي للسببية كقول الرسول ﷺ :" دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت ".


الصفحة التالية
Icon