وجوابه : أن وجوه المشابهة بين النعم وبين الصيد مختلفة وكثيرة، فلا بد من الاجتهاد في تمييز الأقوى من الأضعف، والذي يدل على صحة ما ذكرنا أنه قال ميمون بن مهران : جاء أعرابي إلى أبي بكر رضي الله عنه، فقال : إني أصبت من الصيد كذا وكذا، فسأل أبو بكر رضي الله عنه أبي بن كعب، فقال الأعرابي : أتيتك أسألك، وأنت تسأل غيرك، فقال أبو بكر رضي الله عنه : وما أنكرت من ذلك، قال الله تعالى :﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ﴾ فشاورت صاحبي، فإذا اتفقنا على شيء أمرناك به، وعن قبيصة بن جابر : أنه حين كان محرماً ضرب ظبياً فمات، فسأل عمر بن الخطاب رضي لله عنه، وكان بجنبه عبد الرحمن بن عوف، فقال عمر لعبد الرحمن : ما ترى ؟ قال : عليه شاة.
قال : وأنا أرى ذلك، فقال : إذهب فاهد شاة.
قال قبيصة : فخرجت إلى صاحبي وقلت له إن أمير المؤمنين لم يدر ما يقول حتى سأل غيره.
قال : ففاجأني عمر وعلاني بالدرة، وقال : أتقتل في الحرم وتسفه الحكم، قال الله تعالى :﴿يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ﴾ فأنا عمر، وهذا عبد الرحمن بن عوف.
فصل :
قال الشافعي رحمه الله : الذي له مثل ضربان فما حكمت فيه الصحابة بحكم لا يعدل عنه إلى غيره، لأنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل، وما لم يحكم فيه الصحابة يرجع فيه إلى اجتهاد عدلين، فينظر إلى الأجناس الثلاثة من الأنعام فكل ما كان أقرب شبهاً به يوجبانه وقال مالك : يجب التحكيم فيما حكمت به الصحابة، وفيما لم تحكم به حجة الشافعي رحمه الله الآية دلت على أنه يجب أن يحكم به ذوا عدل، فإذا حكم به اثنان من الصحابة، فقد دخل تحت الآية، ثم ذاك أولى لما ذكرنا أنهم شاهدوا التنزيل، وحضروا التأويل.
فصل :
قال الشافعي رحمه الله : يجوز أن يكون القاتل أحد العدلين إذا كان أخطأ فيه، فإن تعمد لا يجوز، لأنه يفسق به، وقال مالك : لا يجوز كما في تقويم المتلفات.