وقال القرطبى :
الشهر الحرام وهو اسم جنس، والمراد الأشهر الثلاثة بإجماع من العرب، فقرر الله في قلوبهم حرمتها، فكانوا لا يُروّعون فيها سِرْباً أي نفساً ولا يطلبون فيها دماً، ولا يتوقعون فيها ثأراً، حتى كان الرجل يلقى قاتل أبيه وابنه وأخيه فلا يؤذيه.
واقتطعوا فيها ثلث الزمان، ووصلوا منها ثلاثة متوالية، فسحة وراحة ومجالاً للسياحة في الأمن والاستراحة، وجعلوا منها واحداً منفرداً في نصف العام دَرَكاً للإحترام، وهو شهر رجب الأصَمّ ويسمى مُضَر، وإنما قيل له : رجب الأصَمّ ؛ لأنه كان لا يُسمع فيه صوت الحديد، ويسمى مُنْصِل الأَسِنّة ؛ لأنهم كانوا ينزعون فيه الأسِنّة من الرماح، وهو شهر قريش، وله يقول عوف بن الأَحْوَص : وشهر بني أُميّة والهَدَايا...
إذا سيقت مُضرِّجها الدّماءُ
وسماه النبي ﷺ شهر الله ؛ أي شهر آلِ الله، وكان يُقال لأهل الحرم : آلُ الله، ويحتمل أن يريد شهر الله ؛ لأن الله مَتّنه وشدّده إذ كان كثير من العرب لا يراه.
وسيأتي في "براءة" أسماء الشهور إن شاء الله.
ثم يَسّر لهم الإلهام، وشَرَع على ألسنة الرسل الكرام الهدي والقلائد فكانوا إذا أخذوا بعيراً أشعروه دماً، أو علّقوا عليه نعلاً، أو فعل ذلك الرجل بنفسه من التقليد على ما تقدّم بيانه أوّل السورة لم يرُوّعه أحد حيث لقيه، وكان الفَيْصل بينه وبين من طلبه أو ظلمه ؛ حتى جاء الله بالإسلام وبيّن الحق بمحمد عليه السَّلام، فانتظم الدين في سِلكه، وعاد الحق إلى نصابه، فأُسندت الأمامةُ إليه، وانبنى وجوبها على الخلق عليه وهو قوله سبحانه :﴿ وَعَدَ الله الذين آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض ﴾ [ النور : ٥٥ ] الآية. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾. بتصرف يسير.
وقال الآلوسى :


الصفحة التالية
Icon