وفي "صحيح البخاري" عن ابن عبّاس قال : كان قوم، أي من المنافقين، يسألون رسول الله استهزاء فيقول الرجل تضلّ ناقته : أين ناقتي، ويقول الرجل : من أبي، ويقول المسافر : ماذا ألقى في سفري، فأنزل الله فيهم هذه الآية :﴿ يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبْدَ لكم تَسؤُكم ﴾.
قال الأيمّة : وقد انفرد به البخاري.
ومحمله أنّه رأي من ابن عباس، وهو لا يناسب افتتاح الآية بخطاب الذين آمنوا اللهمّ إلاّ أن يكون المراد تحذير المؤمنين من نحو تلك المسائل عن غفلة من مقاصد المستهزئين، كما في قوله :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعِنا ﴾ [ البقرة : ١٠٤ ]، أو أريد بالذين آمنوا الذين أظهروا الإيمان، على أنّ لهجة الخطاب في الآية خالية عن الإيماء إلى قصد المستهزئين، بخلاف قوله :﴿ لا تقولوا راعنا ﴾ [ البقرة : ١٠٤ ] فقد عقّب بقوله :﴿ وللكافرين عذاب أليم ﴾ [ البقرة : ١٠٤ ].
وروى الترمذي والدارقطني عن علي بن أبي طالب لمّا نزلت ﴿ ولله على الناس حجّ البيت ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] قالوا : يا رسول الله في كلّ عام، فسكت، فأعادوا.
فقال : لا، ولو قلت : نعم لوجبتْ، فأنزل الله ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ﴾ قال : هذا حديث حسن غريب.
وروى الطبري قريباً منه عن أبي أمامة وعن ابن عباس.
وتأويل هذه الأسانيد أنّ الآية تليتْ عند وقوع هذا السؤال وإنّما كان نزولها قبل حدوثه فظنّها الراوون نزلت حينئذٍ.
وتأويل المعنى على هذا أنّ الأمّة تكون في سعة إذا لم يشرع لها حكم، فيكون الناس في سعة الاجتهاد عند نزول الحادثة بهم بعد الرسول ﷺ، فإذا سألوا وأجيبوا من قِبل الرسول ﷺ تعيّن عليهم العمل بما أجيبوا به.


الصفحة التالية
Icon