قلنا الجواب من وجهين : الأول : أن السؤال عن الشيء عبارة عن السؤال عن حالة من أحواله، وصفة من صفاته، وسؤال الشيء عبارة عن طلب ذلك الشيء في نفسه، يقال : سألته درهماً أي طلبت منه الدرهم ويقال : سألته عن الدرهم أي سألته عن صفة الدرهم وعن نعته، فالمتقدمون إنما سألوا من الله إخراج الناقة من الصخرة، وإنزال المائدة من السماء، فهم سألوا نفس الشيء، وأما أصحاب محمد ﷺ فهم ما سألوا ذلك، وإنما سألوا عن أحوال الأشياء وصفاتها، فلما اختلف السؤالان في النوع، اختلفت العبارة أيضاً إلا أن كلا القسمين يشتركان في وصف واحد، وهو أنه خوض في الفضول، وشروع فيما لا حاجة إليه، وفيه خطر المفسدة، والشيء الذي لا يحتاج إليه ويكون فيه خطر المفسدة، يجب على العاقل الاحتراز عنه، فبيّن تعالى أن قوم محمد عليه السلام في السؤال عن أحوال الأشياء مشابهون لأولئك المتقدمين في سؤال تلك الأشياء في كون كل واحد منهما فضولاً وخوضاً فيما لا فائدة فيه.
الوجه الثاني : في الجواب أن الهاء في قوله ﴿قَدْ سَأَلَهَا﴾ غير عائدة إلى الأشياء التي سألوا عنها، بل عائدة إلى سؤالاتهم عن تلك الأشياء، والتقدير : قد سأل تلك السؤالات الفاسدة التي ذكرتموها قوم من قبلكم، فلما أجيبوا عنها أصبحوا بها كافرين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٨٩ ـ ٩٠﴾
وقال الماوردى :
قوله تعالى :﴿ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : قوم عيسى سألوه المائدة، ثم كفروا بها، قاله ابن عباس.
والثاني : أنهم قوم صالح سألوا الناقة، ثم عقروها وكفروا به.
والثالث : أنهم قريش سألوا رسول الله ﷺ أن يحوِّل لهم الصفا ذهباً، قاله السدي.