وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي البختري عن عليّ رضي الله عنه قال : لما نزلته هذه الآية :﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ﴾ قالوا : يا رسول الله ! أفي كل عام ؟ فسكت، فقالوا : أفي كلّ عام ؟ فسكت، قال ثم قالوا : أفي كلّ عام ؟ فقال : لا. ولو قلت نعم لوجبت. ولو وجبت لما استطعتم. فأنزل الله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ ﴾ الآية.
قال الترمذي : غريب وسمعت البخاريّ يقول : أبو البختريّ لم يدرك عليّاً.
وروى ابن جرير ونحوه عن أبي هريرة وأبي أمامة، وكذا عن ابن عباس، قال في الآية : لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا فإن نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه.
قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " : والحاصل أنها نزلت بسبب كثرة المسائل. إما على سبيل الاستهزاء أو الامتحان، وإما على سبيل التعنت عن الشيء الذي لو لم يسأل عنه لكان على الإباحة.
الثاني - قال ابن كثير : ظاهر الآية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته. فالأوْلى الإعراض عنها وتركها. وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله ﷺ لأصحابه : لا يبلغني أحد عن أحدٌ شيئاً. فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سُلَيم الصدر. ورواه أبو داود والترمذي.
الثالث - قال الإمام ابن القيم في " إعلام الموقعين " :
لم ينقطع حكم هذه الآية. بل لا ينبغي للعبد أن يتعرّض للسؤال عمّا إن بدا له ساءه. بل يستعفي ما أمكنه، ويأخذ بعفو الله. ومن هاهنا قال عُمَر بن الخطاب رضي الله عنه : يا صاحب الميزاب ! لا تخبرنا. لمّا سأله عن رفيقه عن مائه : أطاهر أم لا ؟


الصفحة التالية
Icon