فذلك على وجه المحاكاة والتشبيه، كما سمّى بنو حنيفة مسَليمة رحمان.
وقوله : البيت الحرام } بيان للكعبة.
قصد من هذا البيان التنويه والتعظيم، إذ شأن البيان أن يكون موضّحاً للمبيّن بأن يكون أشهر من المبيّن.
ولمّا كان اسم الكعبة مساوياً للبيت الحرام في الدلالة على هذا البيت فقد عبّر به عن الكعبة في قوله تعالى :﴿ ولا آمِّين البيت الحرام ﴾ [ المائدة : ٢ ] فتعيّن أنّ ذكر البيان للتعظيم، فإنّ البيان يجيء لما يجيء له النعت من توضيح ومدح ونحو ذلك.
ووجه دلالة هذا العلم على التعظيم هو ما فيه من لمح معنى الوصف بالحرام قبل التغليب.
وذكر البيت هنا لأنّ هذا الموصوف مع هذا الوصف صارا علماً بالغلبة على الكعبة.
والحرام في الأصل مصدر حَرُم إذا مُنِع، ومصدره الحرام، كالصلاح من صلُح، فوصف شيء بحرام مبَالغة في كونه ممنوعاً.
ومعنى وصف البيت بالحرام أنّه ممنوع من أيدي الجبابرة فهو محترم عظيم المهابة.
وذلك يستتبع تحجير وقوع المظالم والفواحش فيه، وقد تقدّم أنّه يقال رجل حرام عند قوله تعالى :﴿ غير محلّي الصيد وأنتم حُرُم في هذه السورة ( ١ )، وأنّه يقال : شهر حرام، عند قوله تعالى:
{ ولا الشهر الحرام ﴾
[ المائدة : ٢ ] فيها أيضاً، فيحمل هذا الوصف على ما يناسبه بحسب الموصوف الذي يجري عليه، وهو في كلّ موصوف يدلّ على أنّه ممّا يتجنّب جانبه، فيكون تجنّبه للتعظيم أو مهابته أو نحو ذلك، فيكون وصفَ مدح، ويكون تجنّبه للتنزّه عنه فيكون وصف ذمّ، كما تقول : الخمر حرام.
وقرأ الجمهور ﴿ قياماً ﴾ بألف بعد الياء.
وقرأه ابن عامر ﴿ قيماً ﴾ بدون ألف بعد الياء.
والقيام في الأصل مصدر قام إذا استقلّ على رجليه، ويستعار للنشاط، ويستعار من ذلك للتدبير والإصلاح، لأنّ شأن من يعمل عملاً مهمّاً أن ينهض له، كما تقدّم بيانه عند قوله تعالى :﴿ ويقيمون الصلاة ﴾ في سورة البقرة ( ٣ ).


الصفحة التالية
Icon