وكان ذلك تمهيداً لما علمه مِن بعثة محمد ﷺ فيهم، وجعلِهم حملة شريعته إلى الأمم، وما عقب ذلك من عِظم سلطان المسلمين وبناء حضارة الإسلام.
ثم هو يعلم ما في الأرض وليس هو في الأرض بدليل المشاهدة، أو بالترفّع عن النقص فلا جرم أن يكون عالماً بما في السماواة، لأنّ السموات إمّا أن تكون مساوية للأرض في أنّه تعالى ليس بمستقرّ فيها، ولا هي أقرب إليه من الأرض، كما هو الاعتقاد الخاصّ، فثبت له العلم بما في السماوات بقياس المساواة ؛ وإمّا أن يكون تعالى في أرفع المكان وأشرف العوالم، فيكون علمه بما في السماوات أحرى من علمه بما في الأرض، لأنّها أقرب إليه وهو بها أعني، فيتمّ الاستدلال للفريقين.
وأمّا دلالة ذلك على أنّه بكلّ شيء عليم فلأنّ فيما ثبت من هذا العلم الذي تقرّر من علمه بما في السماوات وما في الأرض أنواعاً من المعلومات جليلة ودقيقة ؛ فالعلم بها قبل وقوعها لا محالة، فلو لم يكن يعلم جميع الأشياء لم يخل من جهل بعضها، فيكون ذلك الجهل معطّلاً لعلمه بكثير ممّا يتوقّف تدبيره على العلم بذلك المجهول فهو ما دبر جعل الكعبة قياماً وما نشأ عن ذلك إلاّ عن عموم علمه بالأشياء ولولا عمومه ما تمّ تدبير ذلك المقدّر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon