لما ذكر الله تعالى أنواع رحمته بعباده، ذكر بعده أنه شديد العقاب، لأن الإيمان لا يتم إلا بالرجاء والخوف كما قال عليه الصلاة والسلام :" لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا " ثم ذكر عقيبه ما يدل على الرحمة وهو كونه غفوراً رحيماً وذلك يدل على أن جانب الرحمة أغلب، لأنه تعالى ذكر فيما قبل أنواع رحمته وكرمه، ثم ذكر أنه شديد العقاب ثم ذكر عقيبه وصفين من أوصاف الرحمة وهو كونه غفوراً رحيماً، وهذا تنبيه على دقيقة وهي أن ابتداء الخلق والإيجاد كان لأجل الرحمة، والظاهر أن الختم لا يكون إلا على الرحمة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٨٥﴾
وقال الآلوسى :
﴿ اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب ﴾ وعيد لمن انتهك محارمه أو أصر على ذلك.
والعقاب كما قيل هو الضرر الذي يقارنه استخفاف وإهانة، وسمي عقاباً لأنه يستحق عقيب الذنب ﴿ وَأَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وعد لمن حافظ على مراعاة حرماته تعالى وأقلع عن الانتهاك.
ووجه تقديم الوعيد ظاهر. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ اعلموا أَنَّ الله شَدِيدُ العقاب ﴾استئناف ابتدائي وتذييل لما سبق من حظر الصيد للمحرم وإباحة صيد البحر والامتنان بما جعل للكعبة من النعم عليهم ليطمئنّوا لِما في تشريع تلك الأحكام من تضييق على تصرّفاتهم ليعلموا أنّ ذلك في صلاحهم، فذيل بالتذكير بأنّ الله منهم بالمرصاد يجازي كل صانع بما صنع من خير أو شر.
وافتتاح الجملة بـ ﴿ اعلموا ﴾ للاهتمام بمضمونها كما تقدّم عند قوله تعالى :﴿ واتقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه ﴾ في سورة البقرة ( ٢٢٣ ).
وقد استوفى قوله : إن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم } أقسام معاملته تعالى فهو شديد العقاب لمن خالف أحكامه وغفور لمن تاب وعمل صالحاً.


الصفحة التالية
Icon