وليس قوله :﴿ ولو أعجبك كثرة الخبيث ﴾ بمقتض أنّ كلّ خبيث يكون كثيراً ولا أن يكون أكثر من الطيِّب من جنسه، فإنّ طيِّب التَمر والبرّ والثمار أكثر من خبيثها، وإنّما المراد أن لا تعجبكم من الخبيث كثرته إذا كان كثيراً فتصرفكم عن التأمّل من خبثه وتحدُوَكم إلى متابعته لكثرته، أي ولكن انظروا إلى الأشياء بصفاتها ومعانيها لا بأشكالها ومبانيها، أو كثرةُ الخبيث في ذلك الوقت بوفرة أهل الملل الضالّة.
والإعجاب يأتي الكلام عليه عند قوله تعالى :﴿ فلا تُعْجبْك أمْوالهم ولا أولادهم ﴾ في سورة براءة ( ٥٥ ).
وفي تفسير ابن عرفة } قال :"وكنت بحثت مع ابن عبد السلام وقلت له : هذه تدلّ على الترجيح بالكثرة في الشهادة لأنّهم اختلفوا إذا شهد عدلان بأمر وشهد عشرة عدول بضدّه، فالمشهور أن لا فرق بين العشرة والعدلين، وهما متكاملان.
وفي المذهب قول آخر بالترجيح بالكثرة.
فقوله :﴿ ولو أعجبك كثرة الخبيث ﴾ يدلّ على أنّ الكثرة لها اعتبار بحيث إنّها ما أسقطت هنا إلاّ للخبث، ولم يوافقني عليه ابن عبد السلام بوجه.
ثم وجدت ابن المنير ذكره بعينه" أ هـ.
والواو في قوله ﴿ ولو أعجبك ﴾ واو الحال، و﴿ لو ﴾ اتّصالية، وقد تقدّم بيان معناهما عند قوله تعالى :﴿ فلن يقبل من أحدهم ملْءُ الأرض ذهباً ولو افتدى به ﴾ في سورة آل عمران ( ٩١ ).
وتفريع قوله : فاتّقوا الله يا أولى الألباب } على ذلك مؤذن بأنّ الله يريد منّا إعمال النظر في تمييز الخبيث من الطيّب، والبحث عن الحقائق، وعدم الاغترار بالمظاهر الخلابة الكاذبة، فإنّ الأمر بالتقوى يستلزم الأمر بالنظر في تمييز الأفعال حتى يُعرف ما هو تقوى دون غيره.
ونظير هذا الاستدلال استدلاللِ العلماء على وجوب الاجتهاد بقوله تعالى :﴿ فاتّقوا الله ما استطعتم ﴾ [ التغابن : ١٦ ]، لأنّ ممّا يدخل تحت الاستطاعة الاجتهاد بالنسبة للمتأهّل إليه الثابت له اكتساب أداته.


الصفحة التالية
Icon