ولما كانوا عالمين بأنه ليس في آبائهم عالم، وأنه من تأمل أدنى تأمل عرف أن الجاهل لا يهتدي إلى شيء، قال منكراً عليهم موبخاً لهم :﴿أولو﴾ أي يكفيهم ذلك إذا قالوا ذلك ولو ﴿كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً﴾ أي من الأشياء حق علمه لكونهم لم يأخذوه عن الله بطريق من الطرق الواصلة إليه، ولما كان من لا يعلم قد يشعر بجهله فيتعلم فيهتدي فيصير أهلاً للاقتداء به، وقد لا يشعر لكونه جهله مركباً فلا يجوز الاقتداء به، بين أنهم من أهل هذا القسم فقال :﴿ولا يهتدون﴾ أي لا يطلبون الهداية فلا توجد هدايتهم إلى صواب، لأن من لا يعلم لا صواب له، لأنه ليس للهدى آلة سوى العلم، وأدل دليل على عدم هدايتهم أنهم ضيعوا الطيب من أموالهم فاضطرهم ذلك إلى أكل الخبيث من الميتة، وأغضبوا بذلك خالقهم فدخلوا النار، فلا أقبح مما يختاره لنفسه المطبوع على الكدر، ولا أحسن مما يشرعه له رب البشر، وهذه الآية ناظرة إلى قوله تعالى في سورة النساء ﴿إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً﴾ [ المساء : ١١٧ ] إلى قوله :﴿ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام﴾ [ النساء : ١١٩ ] فالتفت حينئذ إلى قوله :﴿رجس من عمل الشيطان﴾ أيّ التفات. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٥٥٢ ـ ٥٥٣﴾

فصل


قال الفخر :
المعنى معلوم وهو رد على أصحاب التقليد وقد استقصينا الكلام فيه في مواضع كثيرة.
واعلم أن الواو في قوله ﴿أولو كان آباؤهم﴾ واو الحال قد دخلت عليها همزة الإنكار، وتقديره أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون.
واعلم أن الاقتداء إنما يجوز بالعالم المهتدي، وإنما يكون عالماً مهتدياً إذا بنى قوله على الحجة والدليل، فإذا لم يكن كذلك لم يكن عالماً مهتدياً، فوجب أن لا يجوز الاقتداء به. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ٩٢﴾
وقال السمرقندى :
ثم أخبر عن جهلهم فقال :


الصفحة التالية
Icon