فأنزل الله عز وجل ﴿يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم﴾ [ المائدة : ١٠٦ ] فلما نزلت أمر النبي ﷺ، فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السماوات : ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، فلما حلفا خلي سبيلهما، ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت فأخذوا الداريين فقالا : اشتريناه منه في حياته، فكُذِّبا وكُلِّفا البينة فلم يقدرا عليها، فرفعوا ذلك إلى رسول الله ﷺ فأنزل الله عز وجل ﴿فإن عثر﴾ - يعني إلى آخرها " ثم ذكر وقت الشهادة وسببها فقال :﴿إذا حضر﴾ وقدم المفعول تهويلاً - كما ذكر في النساء - لأن الآية نزلت لحفظ ماله فكان أهم، فقال :﴿أحدكم الموت﴾ أي أخذته أسبابه الموجبة لظنه.
ولما كان الإيصاء إذ ذاك أمراً متعارفاً، عرف فقال معلقاً بشهادة كما علق به ﴿إذا﴾ أو مبدلاً من ﴿إذا﴾ لأن الزمنين واحد :﴿حين الوصية﴾ أي إن أوصى، ثم أخبر عن المبتدأ فقال :﴿اثنان﴾ أي شهادة بينكم في ذلك الحين شهادة اثنين ﴿ذوا عدل منكم﴾ أي من قبيلتكم العارفين بأحوالكم ﴿أو آخران﴾ أي ذوا عدل ﴿من غيركم﴾ أي إن لم تجدوا قريبين يضبطان أمر الوصية من كل ما للوصي وعليه، وقيل : بل هما الوصيان أنفسهما احتياطاً بجعل الوصي اثنين، وقيل : آخران من غير أهل دينكم، وهو خاص بهذا الأمر الواقع في السفر للضرورة لا في غيره ولا في غير السفر ؛ ثم شرط هذه الشهادة بقوله :﴿إن أنتم ضربتم﴾ أي بالأرجل ﴿في الأرض﴾ أي بالسفر، كأن الضرب بالأرجل لا يسمى ضرباً إلا فيه لأنه موضع الجد والاجتهاد ﴿فأصابتكم﴾ وأشار إلى أن الإنسان هدف لسهام الحدثان بتخصيصه بقوله :﴿مصيبة الموت﴾ أي أصابت الموصي المصيبةُ التي لا مفر منها ولا مندوحة عنها.


الصفحة التالية
Icon