فجملة ﴿ لا يضرّكم من ضلّ ﴾ تتنزّل من التي قبلها منزلة البيان فلذلك فصلت، لأنّ أمرهم بملازمة أنفسهم مقصود منه دفع ما اعتراهم من الغمّ والأسف على عدم قبول الضالّين للاهتداء، وخشية أن يكون ذلك لتقصير في دعوتهم، فقيل لهم : عليكم أنفسكم، أي اشتغلوا بإكمال اهتدائكم، ففعل ﴿ يضرّكم ﴾ مرفوع.
وقوله :﴿ إذا اهتديتم ﴾ ظرف يتضمّن معنى الشرط يتعلّق بـ ﴿ يضرّكم ﴾.
وقد شمل الاهتداء جميع ما أمرهم به الله تعالى.
ومن جملة ذلك دعوة الناس إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو قصروا في الدعوة إلى الخير والاحتجاج له وسكتوا عن المنكر لضرّهم من ضلّ لأنّ إثم ضلاله محمول عليهم.
فلا يتوهّم من هذه الآية أنّها رخصة للمسلمين في ترك الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّ جميع ذلك واجب بأدلّة طفحت بها الشريعة.
فكان ذلك داخلاً في شرط ﴿ إذا اهتديتم ﴾.
ولما في قوله ﴿ عليكم أنفسكم ﴾ من الإشعار بالإعراض عن فريق آخر وهو المبيّين بِ ﴿ من ضلّ ﴾، ولما في قوله ﴿ إذا اهتديتم ﴾ من خفاء تفاريع أنواع الاهتداء ؛ عرض لبعض الناس قديماً في هذه الآية فشكّوا في أن يكون مُفادها الترخيص في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد حدث ذلك الظنّ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم
أخرج الترمذي عن أبي أمية الشعباني أنّه قال : سألت عنها أبا ثعلبة الخشني، فقال لي : سألتَ عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله ﷺ فقال :" بل ائتمروا بالمعروف وتناهَوا عن المنكر حتّى إذا رأيت شحّاً مُطَاعَاً وهوى مُتَّبعاً وَدنْيَا مُؤثرَة وإعجابَ كلّ ذي رأي برأيه فعليك بخاصّة نفسك ودَعَ العوّام ". أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٥ صـ ﴾
فائدة
قال ابن عطية :