وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال : كنت في حلقة فيها أصحاب النبي وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت : أليس الله يقول :﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ ؟ فأقبلوا عليّ بلسان واحد فقالوا : تنزع آية من القرآن لا نعرفها ولا ندري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت، ثم أقبلوا يتحدّثون، فلما حضر قيامهم قالوا : إنك غلام حدث السن، وإنك نزعت آية لا ندري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزمان " إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت " وأخرج ابن مردويه، عن معاذ بن جبل، عن النبي ﷺ بنحو حديث أبي ثعلبة الخشني المتقدّم، وفي آخره " كأجر خمسين رجلاً منكم " وأخرج ابن مردويه، عن أبي سعيد الخدري قال : ذكرت هذه الآية عند رسول الله ﷺ، فقال النبيّ ﷺ :" لم يجيء تأويلها، لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام "، والروايات في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية، ففيه ما يرشد إلى ما قدمناه من الجمع بين هذه الآية وبين الآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أ هـ ﴿فتح القدير حـ ٢ صـ ﴾
سؤال : فإن قيل : ظاهر هذه الآية يوهم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجب.
قلنا الجواب عنه من وجوه : الأول : وهو الذي عليه أكثر الناس، إن الآية لا تدل على ذلك بل توجب أن المطيع لربه لا يكون مؤاخذاً بذنوب العاصي، فأما وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فثابت بالدلائل، خطب الصديق رضي الله عنه فقال : إنكم تقرؤن هذه الآية ﴿يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ وتضعونها غير موضعها وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول :" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم ينكروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ".