وفي هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد الحق سبحانه وتعالى يسرد نعمه على سيدنا عيسى عليه السلام. وسرد النعمة على الرسول ليس المقصود منه تنبيه الرسول إلى النعمة، فالرسول يعلم النعم جيداً لأنها جرت عليه، ولكنه تقريع لمن رأى هذه الأحداث والنعم ولم يلتزم الإيمان بالله بعدها، وقد أجرى سبحانه كل هذه النعم على عيسى عليه السلام وأيده الله بما يقوي ويزكي رسالته إلى قومه. فكانت نعمة أولا عليه، لأنه مصطفى، مختار، مؤيد. ونلحظ أن هذه الآيات والنعم تنقسم إلى قسمين : قسم يقنع أصحاب العقول والألباب والفكر والمواجيد النفسية. وقسم يقنع القوم الماديين الذين لا يؤمنون بملكوت الله في غيب الله. والقسم الأول الذي يقنع أصحاب العقول والألباب هو تعليم الكتاب والحكمة والتوارة والإنجيل.
والقسم الثاني الذي يقنع الماديين هو الأمور المادية الحسية التي يتعرف من يراها على أنها لا يمكن أن تجري على يد بشر، كأن يخلق من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون طيراً. وإحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص. وهذه الآيات خرق للناموس المادي، ولذلك يتبع الحق كل واحدة منها بذكر كلمة :﴿ بِإِذْنِي ﴾ أي أن هذه المعجزات لم تكن لتحدث لو لم يأذن بها الله. ولم يذكر الحق ذلك بالنسبة للآيات الأخرى لأنها أمر ظاهر ومعروف، حتى يكون الأمر واضحاً أمام كل إنسان ممن يحبون عيسى ويرتفعون به إلى مقام أعلى من مقام النبوة المؤيدة ممن أرسله. وحتى لا يخدع قوم عيسى في هذه الآيات ويظنوها مزية مطلقة له، ولكنها مجرد آيات معجزات لإثبات صدق الرسالة عن الله.


الصفحة التالية
Icon