ولم نر إنساناً علاماً للغيب ولكن يُعْلِمُهُ الله بغيب من بعض غيبه، حتى نعلم أنها أحداث وقتية يتجلى الله فيها بفضله، ليثبت حالة من الحالات، ثم يظل الإنسان مع الناموس العام في كون الله. والناموس الكوني هو الأمور والقوانين التي أطلقها الله في الكون لتعمل لخدمة المؤمن والكافر والطائع والعاصي. ومثال ذلك شروق الشمس وغروبها، وحركة السحاب حاملاً المطر، ووجود الأرض بعناصرها القابلة للزراعة. وخرق الناموس يكون بإذن من الله للرسل والأنبياء والأولياء ؛ إننا نجد كل ذلك آيات من الحق لإثبات صدق الرسول في البلاغ عنه، وهذا الإثبات مشروط بشروط : أولها أن يكون النبوغ قد بلغ درجة قصوى في هذا المجال الذي تحدث فيه تلك المعجزة، والمثال على ذلك : خرق الحق سبحانه لناموس العصا وهي فرع من شجرة وجعل موسى عليه السلام يلقيها فإذا هي حية تسعى. وما أجراه الله على عصا موسى لم يكن سحراً ولكنه نقلها من جنس إلى جنس في عصر نبغ فيه الناس في السحر، ونعلم أن موسى أنس إلى ربه فقال وأطنب وأسهب وأطال :﴿ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا على غَنَمِي ﴾ [ طه : ١٨ ].
وعرف موسى من بعد مقام الأنس والانجذاب مقام الخشية فأوجز قائلاً :﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أخرى ﴾ [ طه : ١٨ ].
لقد عرف موسى عليه السلام أنه يخاطب مولاه فأطال الأنس به وعرف أيضاً مراعاة المقامات وانتقل من الانجذاب والأنس إلى مقام الرهبة فقال :( ولي فيها مآرب أخرى ).
وجاء الأمر بإلقاء العصا :﴿ أَلْقِهَا ياموسى ﴾ [ طه : ١٩ ].
وهنا خرجت العصا عن ناموسها الذي يعلمه موسى عليه السلام فلم تعد للتوكؤ والهش على الغنم، ولكنها تنتقل من جنس الخشب إلى جنس الحيوان فتصير حيّة :﴿ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تسعى ﴾ [ طه : ٢٠ ].
ولذلك كان لا بد أن تُدهش المسألة موسى عليه السلام، لذلك أوجس خيفة.


الصفحة التالية
Icon