وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كانوا أعلم بالله من أن يقولوا هل يستطيع وإنما قالوا هل تستطيع أن تسأل ربك.
وعن معاذ بن جبل : أقرأني رسول الله ﷺ ﴿هَلُ تَسْتَطِيعَ﴾ بالتاء ﴿رَبَّكَ﴾ بالنصب والباقون يستطيع بالياء ربك برفع الباء وبالإظهار فأما القراءة الأولى فمعناها : هل تسطيع سؤال ربك ؟ قالوا وهذه القراءة أولى من الثانية لأن هذه القراءة توجب شكهم في استطاعة عيسى، والثانية توجب شكهم في استطاعة الله، ولا شك أن الأولى أولى، وأما القراءة الثانية ففيها إشكال، وهو أنه تعالى حكى عنهم أنهم ﴿قَالُواْ ءامَنَّا واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ [ المائدة : ١١١ ] وبعد الإيمان كيف يجوز أن يقال إنهم بقوا شاكين في اقتدار الله تعالى على ذلك ؟
والجواب عنه من وجوه : الأول : أنه تعالى ما وصفهم بالإيمان والإسلام بل حكى عنهم ادعاءهم لهما ثم أتبع ذلك بقوله حكاية عنهم ﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ السماء﴾ فدل ذلك على أنهم كانوا شاكين متوقفين فإن هذا القول لا يصدر عمن كان كاملاً في الإيمان وقالوا : ونعلم أن قد صدقتنا وهذا يدل على مرض في القلب وكذلك قول عيسى عليه السلام لهم ﴿اتقوا الله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ يدل على أنهم ما كانوا كاملين في الإيمان.
والوجه الثاني : في الجواب أنهم كانوا مؤمنين إلا أنهم طلبوا هذه الآية ليحصل لهم مزيد الطُّمأنينة كما قال إبراهيم عليه السلام ﴿ولكن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] فإن مشاهدة مثل هذه الآية لا شك أنها تورث الطمأنينة ولهذا السبب قالوا وتطمئن قلوبنا.