قال ابن عباس وكان إذا خرج اتبعه خمسة آلاف أو أكثر من صاحب له وذي علة يطلب البرء ومستهزىء فوقعوا يوماً في مفازة ولا زاد فجاعوا وسألوا من الحواريين أن يسألوا عيسى نزول مائدة من السماء فذكر شمعون لعيسى ذلك فقال : قل لهم اتقوا الله، وأرادوا الأكل ليزدادوا إيماناً.
قال ابن الأنباري أو التشريف بالمائدة ذكره الماوردي والاطمئنان إما بأن الله قد بعثك إلينا أو اختارنا عواناً لك أو قد أجابك أو العلم بالصدق في أنا إذا صمنا الله تعالى ثلاثين يوماً.
لم نسأل الله شيئاً إلا أعطانا أو في أنك رسول حقاً إذ المعجز دليل الصدق وكانوا قبل ذلك لم يرو الآيات، أو يراد بالعلم الضروري والمشاهدة انتهى.
وأنت هذه المعاطيف مرتبة ترتيباً لطيفاً وذلك أنهم لا يأكلون منها لا بعد معاينة نزولها فيجتمع على العلم بها حاسة الرؤية وحاسة الذوق فبذلك يزول عن القلب قلق الاضطراب ويسكن إلى ما عاينه الإنسان وذاقه، وباطمئنان القلب يحصل العلم الضروري بصدق من كانت المعجزة على يديه إذ جاءت طبق ما سأل، وسألوا هذا المعجز العظيم لأن تأثيره في العالم العلوي بدعاء من هو في العالم الأرضي أقوى وأغرب من تأثير من هو في العالم الأرضي في عالمه الأرضي، ألا ترى أن من أعظم معجزات رسول الله ﷺ القرآن وانشقاق القمر وهما من العالم العلوي وإذا حصل عندهم العلم الضروري بصدق عيسى شهدوا شهادة يقين لا يحتلج بها ظن ولا شك ولا وهم وبذكرهم هذه الأسباب الحاملة على طلب المائدة يترجح قول من قال : كان سؤالهم ذلك قبل علمهم بآيات عيسى ومعجزاته وإن وحي الله إليهم بالإيمان كان في صدر الأمر وعند ذلك قالوا هذه المقالة ثم آمنوا ورأوا الآيات واستمروا وصبروا. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٤ صـ ﴾