وذكر الإمام فخر الدين الرازي وجهاً آخر وهو أن الرسل عليهم السلام لما علموا أن الله تعالى عالم لا يجهل وحليم لا يسفه وعادل لا يظلم علموا أن قولهم لا يفيد خيراً ولا يدفع شراً فرأوا أن الأدب في السكوت وفي تفويض الأمر إلى الله تعالى وعدله فقالوا لا علم لنا ﴿ إنك أنت علام الغيوب ﴾ يعني إنك تعلم ما غاب عنا من بواطن الأمور ونحن نعلم ما نشاهد ولا نعلم ما في البواطن.
وقيل معناه إنك لا يخفى عليك ما عندنا من العلوم وأن الذي سألتنا عنه ليس بخاف عليك لأنك أنت علام الغيوب ومعناه العالم بأصناف المعلومات على تفاوتها ليس تخفى عليه خافية وبناء فعال بتاء التكثير ودلت الآية على جواز إطلاق العلام على الله تعالى كما يجوز إطلاق الخلافة عليه. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾
ومن فوائد أبى حيان فى الآية
قال رحمه الله :
﴿ يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ﴾
مناسبة هذه لما قبلها أنه لما أخبر تعالى بالحكم في شاهدي الوصية وأمر بتقوى الله والسمع والطاعة، ذكر بهذا اليوم المهول المخوف وهو يوم القيامة فجمع بذلك بين فضيحة الدنيا وعقوبة الآخرة لمن حرّف الشهادة ولمن لم يتق الله ولم يسمع، وذكروا في نصب ﴿ يوم ﴾ وجوهاً : أحدها : أنه منصوب بإضمار اذكروا.
والثاني : بإضمار احذروا.
والثالث : باتقوا.
والرابع : باسمعوا قاله الحوفي.
والخامس : بلا يهدي، قال قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء قالا : لا يهديهم في ذلك اليوم طريق الجنة، قال أبو البقاء أولاً يهديهم في ذلك اليوم إلى الحجة.
والسادس : أجاز الزمخشري أن ينتصب على البدل من المنصوب في قوله ﴿ واتقوا الله ﴾، وهو بدل الاشتمال، كأنه قيل واتقوا الله يوم جمعه وفيه بعد لطول الفصل بالجملتين.


الصفحة التالية
Icon