ليس متوقِّفًا على ما رووا من أخبار وقصص، تفسر لك الآيات تفسيرا صحيحا، كما هو منهجنا في كل ما عرضنا له، فأقول وبالله التوفيق :
قال الله تعالى :
﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ إذ : ظرف لما مضى من الزمان، وهو مفعول لفعل محذوف، والتقدير : اذكر -يا محمد- ما حدث في هذا الزمن البعيد ؛ ليكون دليلًا على صدق نُبُوَّتِك، فما كنت معهم، ولا صاحب أهل الكتاب، ولم تكن قارئا، ولا كاتبا.
الحواريون : جمع حواري وهم : المخلصون الأصفياء من أتباع عيسى عليه السلام ويطلق أيضا على الأصحاب المخلصين من أتباع الأنبياء، وفي الحديث الصحيح :"إن لكل نبي حواريا وحواري : الزبير "يعني ابن العوام".
المائدة : الخوان الذي عليه الطعام، فإن لم يكن عليها طعام فهو خوان : السماء ؛ إما المعروفة أو المراد بها جهة العلو ؛ فإنها قد تطلق ويراد بها كل ما علا.
وليس المراد بالاستفهام هو أصل الاستطاعة، وأنهم ما كانوا يعلمون هذا ؛ لأن السائلين كانوا مؤمنين، عارفين، عالمين بالله وصفاته، بل في أعلى درجات هذه الصفات، وإنما المراد بالسؤال : الإنزال بالفعل، من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب، والمعنى : هل يجيبنا ربك -يا نبينا عيسى- إلى ذلك أم لا ؟
وقال بعض العلماء : ليس ذلك بشك في الاستطاعة، وإنما هو تلطُّف في السؤال، وأدب مع الله تعالى بهذه الصيغة المهذبة كقول الرجل لآخر : هل تستطيع أن تعتبني على كذا، وهو يعلم أنه يستطيع.