وقد قال قائلون : إنها لم تنزل. فروى لَيْث بن أبي سليم، عن مجاهد في قوله :﴿ أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ﴾ قال : هو مثل ضُرب، ولم ينزل شيء.
رواه ابن أبي حاتم، وابن جرير. ثم قال ابن جرير : حدثني الحارث، حدثنا القاسم - هو ابن سلام - حدثنا حجاج، عن ابن جُرَيْج، عن مجاهد قال : مائدة عليها طعام، أبوها حين عرض عليهم العذاب إن كفروا، فأبوا أن تَنزل عليهم.
وقال أيضًا : حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن ؛ أنه قال في المائدة : لم تنزل.
وحدثنا بِشْر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال : كان الحسن يقول : لما قيل لهم :﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ قالوا : لا حاجة لنا فيها، فلم تنزل.
وهذه أسانيد صحيحة إلى مجاهد والحسن، وقد يتقوى ذلك بأن خبر المائدة لا تعرفه النصارى وليس هو في كتابهم، ولو كانت قد نزلت لكان ذلك مما يتوفر الدواعي على نقله، وكان يكون موجودًا في كتابهم متواترًا، ولا أقل من الآحاد، والله أعلم. ولكن الذي عليه الجمهور أنها نزلت، وهو الذي اختاره ابن جرير، قال : لأنه تعالى أخبر بنزولها بقوله تعالى :﴿ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ ﴾ قال : ووعد الله ووعيده حق وصدق.


الصفحة التالية
Icon