فأوحى الله إلى عيسى أن اجعل رزقي في المائدة لليتامى والفقراء والزمنى دون الأغنياء من الناس، فلما فعل الله ذلك ارتاب بها الأغنياء وغمصوا ذلك، حتى شكوا فيها في أنفسهم وشككوا فيها الناس، وأذاعوا في أمرها القبيح والمنكر، وأدرك الشيطان منهم حاجته، وقذف وساوسه في قلوب المرتابين، حتى قالوا لعيسى : أخبرنا عن المائدة ونزولها من السماء حق فإنه ارتاب بها بشر منا كثير. قال عيسى : كذبتم وإله المسيح، طلبتم المائدة إلى نبيكم أن يطلبها لكم إلى ربكم، فلما أن فعل وأنزلها الله عليكم رحمة ورزقاً وأراكم فيها الآيات والعبر كذبتم بها وشككتم فيها، فأبشروا بالعذاب فإنه نازل بكم إلا أن يرحمكم الله، وأوحى الله إلى عيسى إني آخذ المكذبين بشرطي، فإني معذب منهم من كفر بالمائدة بعد نزولها عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، فلما أمسى المرتابون بها وأخذوا مضاجعهم في أحسن صورة من نسائهم آمنين، فلما كان من آخر الليل مسخهم الله خنازير، وأصبحوا يتتبعون الأقذار في الكناسات.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس. أنه كان يحدث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل : هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوماً؟ ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم، فإن أجر العامل على من عمل له، ففعلوا ثم قالوا : يا معلم الخير قلت لنا إن أجر العامل على من عمل له، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوماً ففعلنا، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوماً إلا أطعمنا، ﴿ هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء ﴾ إلى قوله ﴿ أحداً من العالمين ﴾ فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم، فأكل منها آخر الناس كما أكل منها أولهم.