الثاني - من أوجه الهاء - : أنها تعودُ على " من " المتقدِّمة في قوله :" فَمَنْ يَكْفُرْ "، والمعنى : لا أعَذِّبُ مِثْلَ عَذَاب الكَافِرِ أحَداً، ولا بُدَّ من تقدير هذين المضافَيْنِ ؛ لِيَصِحَّ المعنى، قال أبو البقاء في هذا الوجهِ :" وفي الكلامِ حَذْفٌ أي : لا أعذِّبُ الكَافِرَ، أي : مثل الكافرِ، أي : مثل عذابِ الكَافر ".
الثالث : أنها ضميرُ المصدرِ المؤكِّد ؛ نحو :" ظَنَنْتُهُ زَيْداً قَائِماً "، ولمَّا ذكر أبو البقاء هذا الوجه، اعترضَ على نفسه، فقال :" فإنْ قلْتَ :" لا أعَذِّبهُ " صفةٌ لـ " عَذَاب "، وعلى هذا التقدير لا يعودُ من الصفة على الموصُوف شَيْءٌ، قيل : إنَّ الثانِيَ لما كان واقعاً موقعَ المصدر والمصدرُ جنْسٌ، و" عَذَاباً " نكرةٌ، كان الأوَّل داخِلاً في الثاني، والثاني مشتملٌ على الأوَّل، وهو مثل : زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ ". انتهى، فجعل الرابطَ العمومَ، وهذا الذي ذكرهُ من أنَّ الربْطَ بالعمومِ، إنما ذكره النحويُّون في الجملةِ الواقعةِ خبراً لمبتدأ، ولذلك نظَّره أبو البقاء بـ " زَيْدٌ نِعْمَ الرَّجُلُ "، وهذا لا ينبغي أن يُقاسَ عليه ؛ لأن الربطَ يحصُلُ في الخبر بأشياءَ لا تجوز في الجملة الواقعةِ صفةً، وهذا منها، ثم هذا الاعتراضُ الذي ذكره واردٌ عليه في الوجه الثاني ؛ فإنَّ الجملة صفةٌ لـ " عَذَاباً "، وليس فيها ضميرٌ، فإن قيل : ليست هناك بصفة، قيل : يَفْسُدُ المعنى بتقدير الاستئناف، وعلى تقدير صحَّته، فلتكنْ هنا أيضاً مستأنفةً، و" أحَداً " منصوبٌ على المفعُول الصريحِ، و" مِنَ العَالمِينَ " صفةٌ لـ " أحداً " فيتعلَّق بمحْذُوف. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٧ صـ ٦١٤﴾