وأخرج الخطيب في "تاريخه" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد نفي العلم نظراً إلى خصوص الزمان وهو أول الأمر حين تزفر جهنم فتجثوا الخلائق على الركب وتنهمل الدموع وتبلغ القلوب الحناجر وتطيش الأحلام وتذهل العقول ثم إنهم يجيبون في ثاني الحال وبعد سكون الروع واجتماع الحواس وذلك وقت شهادتهم على الأمم، وبهذا أجاب رضي الله تعالى عنه نافع بن الأرزق حين سأله عن المنافاة بين هذه الآية وما أثبت الله تعالى لهم من الشهادة على أممهم في ءاية أخرى.
وروي أيضاً عن السدي والكلبي ومجاهد وهو اختيار الفراء وأنكره الجبائي، وقال : كيف يجوز القول بذهولهم من هول يوم القيامة مع قوله سبحانه :﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر ﴾ [ الأنبياء : ١٠٣ ] وقوله عز وجل :﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [ يونس : ٦٢ ] وقد نقل ذلك عنه الطبرسي ثم قال : ويمكن أن يجاب عنه بأن الفزع الأكبر دخول النار.
وقوله سبحانه :﴿ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ﴾ إنما هو كالبشارة بالنجارة من أهوال ذلك اليوم مثل ما يقال للمريض لا بأس عليك ولا خوف.
وقيل : إن ذلك الذهول لم يكن لخوف ولا حزن وإنما هو من باب العوم في بحار الإجلال لظهور ءاثار تجلي الجلال.
واعترض شيخ الإسلام على ما تقدم بأن قوله سبحانه وتعالى :﴿ إِنَّكَ أَنتَ علام الغيوب ﴾ في موضع التعليل ولا يلائم ما ذكره.
و﴿ عِلْمَ ﴾ صيغة مبالغة والمراد الكامل في العلم.
والغيوب جمع غيب وجمع وإن كان مصدراً على ما قال السمين لاختلاف أنواعه وإن أريد به الشيء الغائب أو قلنا إنه مخفف غيب فالأمر واضح.
وقرىء ﴿ عِلْمَ ﴾ بالنصب على أن الكلام قد تم عند ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ﴾ ونصب الوصف على المدح أو النداء أو على أنه بدل من اسم إن، ومعنى ﴿ إِنَّكَ أَنتَ ﴾ إنك الموصوف بصفاتك المعروفة، والكلام على طريقة.
أنا أبو النجم وشعري شعري...