وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك، واستثناءُ المطَّرِد منه، فقد فرَّ من ضعيفٍ، ووقع في أضْعَفَ منه.
الرابع : قال ابن عطيَّة - رحمه الله - :" معناه : ماذا أجابَتْ به الأممُ "، فجعل " مَاذَا " كنايةً عن المُجَابِ به، لا المصدرِ، وبعد ذلك، فهذا الكلامُ منه محتملٌ أنْ يكونَ مثل ما تقدَّمَ حكايتُهُ عن الحُوفِيِّ في جعله " مَا " مبتدأ استفهاميةً، و" ذَا " خبره ؛ على أنها موصولةٌ، وقد تقدَّم التنبيهُ على ضعفه، ويُحْتملُ أن يكون " مَاذَا " كلُّه بمنزلةِ اسمِ استفهامٍ في محلِّ رفع بالابتداء، و" أُجِبْتُمْ " خبرُه، والعائدُ محذوفٌ ؛ كما قدَّره هو، وهو أيضاً ضعيفٌ ؛ لأنه لا يُحْذَفُ عائدُ المبتدأ، وهو مجرورٌ إلا في مواضعَ ليس هذا منها، لو قلت :" زَيْدٌ مَرَرْتُ " لم يَجُزْ، وإذا تبيَّن ضعفُ هذه الأوجهِ، رُجِّح الأول.
والجمهورُ على " أُجِبْتُمْ " مبنيًّا للمفعول، وفي حذفِ الفاعل هنا ما لا يُبْلَغُ كُنهُهُ من الفصاحة والبلاغة ؛ حيث اقتصرَ على خطاب رسله غيرَ مذكورٍ معَهُم غيرُهم ؛ رفْعاً من شأنهم وتشريفاً واختصاصاً، وقرأ ابن عبَّاس وأبو حيوة " أجَبْتُمْ " مبنيًّا للفاعل، والمفعول محذوف، أي : ماذا أجَبْتُمْ أمَمَكُمْ حين كَذَّبُوكُمْ وآذَوْكُمْ، وفيه توبيخٌ للأمَمِ، وليستْ في البلاغةِ كالأولى.
وقوله تعالى :﴿ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب ﴾، كقوله :﴿ إِنَّكَ أَنْتَ العليم الحكيم ﴾ في البقرة [ ٣٢ ].


الصفحة التالية
Icon