وذكر ما يدل للعاقل على أنه عبد مربوب فقال :﴿وعلى والدتك﴾ إلى آخره مشيراً إلى أنه أوجده من غير أب فأراحه مما يجب للآباء من الحقوق وما يورثون أبناءهم من اقتداء أو اهتداء وإقامة بحقوق أمه، فأقدره - وهو في المهد - على الشهادة لها بالبراءة والحصانة والعفاف، وكل نعمة أنعمها سبحانه عليه ﷺ فهي نعمة أمه ديناً ودنيا.
ولما ذكر سبحانه هذه الأمة المدعوة من العرب وأهل الكتاب وغيرهم بنعمه عليهم في أول السورة بقوله :﴿اذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه﴾ [ المائدة : ٧ ]، ﴿واذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم﴾ [ المائدة : ١١ ]، وكانت هذه الآيات من عند ﴿لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم﴾ [ المائدة : ٨٧ ] كلها في النعم، أخبرهم أنه يذكّر عيسى عليه السلام بنعمه في يوم الجمع إشارة إلى أنهم إن لم يذكروا نعمه في هذه الدار دار العمل بالشكر، ذكروها حين يذكّرهم بها في ذلك اليوم قسراً بالكفر، ويا لها فضيحةً في ذلك الجمع الأكبر والموقف الأهول! وليتبصّر أهل الكتاب فيرجعوا عن كفرهم بعيسى عليه السلام : اليهودُ بالتقصير في أمره، والنصارى بالغلو في شأنه وقدره.