أما على قول جمهور المفسرين إن هذا السؤال إنما يقع يوم القيامة ففي قوله ﴿ وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ إشكال وهو أنه يليق بعيسى عليه السلام طلب المغفرة لهم مع علمه بأن الله تعالى لا يغفر لمن يموت على الشرك والجواب عن هذا الأشكال من وجوه أحدها أنه ليس هذا على طريق المغفرة ولو كان كذلك لقال فإنك أنت الغفور الرحيم ولكنه على تسليم الأمر إلى الله وتفويضه إلى مراده فيهم لأنه العزيز في ملكه الحكيم في فعله ويجوز في حكمته وسعة مغفرته ورحمته أن يغفر للكفار، لكنه تعالى أخبر أنه لا يفعل ذلك بقوله ﴿ إن الله لا يغفر أن يشرك به ﴾ الوجه الثاني : قيل معناه أن تعذبهم يعني أقامتهم على كفرهم إلى الموت وإن تغفر لهم يعني لمن آمن منهم وتاب ورجع عن كفره، الوجه الثالث : قال ابن الأنباري : لما قال الله لعيسى ﴿ أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ﴾لم يقع لعيسى إلا أن النصارى حكت عنه الكذب لأنه لم يقل ذلك وقول الكذب ذنب فيجوز أن يسأل له المغفرة والله أعلم بمراده وأسراره كتابه ( م ) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي ﷺ تلا قول الله عز وجل في إبراهيم ﴿ رب إنهن أضللن كثراً من الناس فمن تبعني فإنه مني ﴾ الآية وقول عيسى :﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي فبكى فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فاسأله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله ﷺ بما قال وهو أعلم فقال يا جبريل اذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.
عن أبي ذر أن رسول الله ﷺ قام حتى أصبح بآية والآية ﴿ إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ﴾ أخرجه النسائي. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٢ صـ ﴾