وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ﴾ شرط، وجوابه ﴿ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾ مثله.
روَى النَّسائي عن أبي ذَرّ قال : قام النبي ﷺ بآية ليلةً حتى أَصبح، والآية ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾.
واختلف في تأويله فقيل : قاله على وجه الاستعطاف لهم، والرأفة بهم، كما يستَعطف السيد لعبده ؛ ولهذا لم يقل : فإنهم عَصَوك.
وقيل : قاله على وجه التسليم لأمره، والاستجارة من عذابه، وهو يعلم أنه لا يغفر لكافر.
وقيل الهاء والميم في ﴿ إِن تُعَذِّبْهُمْ ﴾.
لمن مات منهم على الكفر، والهاء والميم في ﴿ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ لمن تاب منهم قبل الموت ؛ وهذا حسن.
وأما قول من قال : إن عيسى عليه السلام لم يعلم أن الكافر لا يغفر له فقول مجترىء على كتاب الله عز وجل ؛ لأن الأخبار من الله عز وجل لا تُنْسَخ.
وقيل : كان عند عيسى أنهم أحدثوا معاصي، وعملوا بعده بما لم يأمرهم به، إلا أنهم على عَمُود دينه، فقال : وإن تغفِر لهم ما أحدثوا بعدي من المعاصي.
وقال :﴿ فَإِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم ﴾ ولم يقل : فإنك أنت الغفور الرحيم على ما تقتضيه القصة من التسليم لأمره، والتفويض لحكمه.
ولو قال : فإنك أنت الغفور الرحيم لأوهم الدعاء بالمغفرة لمن مات على شِرْكه وذلك مستحيل ؛ فالتقدير إن تبقِهم على كفرهم حتى يموتوا وتعذّبهم فإنهم عبادك، وإن تَهدهم إلى توحيدك وطاعتك فتغفر لهم فإنك أنت العزيز الذي لا يمتنع عليك ما تريده ؛ الحكيم فيما تفعله ؛ تضل من تشاء وتهدي من تشاء.
وقد قرأ جماعة :"فإنك أنت الغفور الرحيم" وليست من المصحف.