وَلَمَّا غَفَلَ مَنْ غَفَلَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَنْ هَذَا مَعَ تَصْرِيحِ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى اللهِ تَعَالَى اسْتَشْكَلُوا الْعِبَارَةَ، وَحَارُوا فِيمَا فَهِمُوهُ مِنْ دَلَالَتِهَا عَلَى جَوَازِ غُفْرَانِ الشِّرْكِ، وَطَفِقُوا يَتَلَمَّسُونَ النُّكْتَةَ لِتَرْتِيبِ الْغُفْرَانِ عَلَى صِفَتَيِ الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ، دُونَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ تَرْتِيبِهِ عَلَى صِفَتَيِ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَاسْتَنْجَدُوا مَذَاهِبَهُمُ الْكَلَامِيَّةَ فِي ذَلِكَ فَأَنْجَدَتْ مُفَسِّرِي الْأَشْعَرِيَّةِ بِمَا اسْتَطَالُوا بِهِ عَلَى مُفَسِّرِي الْمُعْتَزِلَةِ فَقَالُوا : إِنَّ الْمَعْنَى إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عَبِيدُكَ، وَالْمَالِكُ يَتَصَرَّفُ بِعَبْدِهِ كَمَا يَشَاءُ، فَلَا يُسْأَلُ وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَذَّبَ أَكْمَلَهُمْ إِيمَانًا وَإِسْلَامًا وَإِحْسَانًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْمُرَادَ فَإِنَّهُمْ عَبِيدُكَ الْأَرِقَّاءُ إِلَى أَسْرِ مُلْكِكَ، الضُّعَفَاءُ الْعَاجِزُونَ عَنِ الِامْتِنَاعِ مِنْ عِقَابِكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ مَا كَانَ مِنْ شِرْكِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَمَا يَتْبَعُهُ مِنْ سُوءِ أَعْمَالِهِمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْقَوِيُّ الْقَادِرُ عَلَى ذَلِكَ، الْحَكِيمُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَغْفِرَةَ مُسْتَحْسَنَةٌ لِكُلِّ مُجْرِمٍ : قَالَهُ أَبُو السُّعُودِ : وَقَالَ الْآلُوسِيُّ : وَالْمَغْفِرَةُ لِلْكَافِرِ لَمْ يُعْدَمْ فِيهَا وَجْهُ حِكْمَةٍ لِأَنَّ الْمَغْفِرَةَ حَسَنَةٌ لِكُلِّ مُجْرِمٍ فِي الْمَعْقُولِ، بَلْ مَتَى كَانَ الْمُجْرِمُ أَعْظَمَ جُرْمًا كَانَ الْعَفْوُ عَنْهُ أَحْسَنَ لِأَنَّهُ أَدْخَلُ فِي الْكَرَمِ، وَإِنْ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ أَحْسَنَ فِي حُكْمِ الشَّرْعِ مِنْ


الصفحة التالية
Icon