وقد نعى اللّه عليهم اتخاذ المسيح إلها فى مواضع عدة من هذه السورة، وعبادة أمه كانت معروفة فى الكنائس الشرقية والغربية، ثم أنكرت عبادتها فرقة البر وتستانس (إصلاح المسيحية) التي جاءت بعد الإسلام بزمن طويل.
وهذه العبادة منها ما هو صلاة ذات دعاء وثناء على المعبود، ومنها ما هو استغاثة واستشفاع، ومنها ما هو صيام ينسب إليها ويسمى بصيام العذراء، وكل أولئك يقترن بخشوع وخضوع لذكرها ولصورها وتماثيلها واعتقاد السلطة الغيبية لها وأنها تنفع وتضر فى الدنيا والآخرة إما بنفسها أو بواسطة ابنها ويسمونها (والدة الإله).
والآية ترشد إلى أنهم اتخذوها هى وابنها إلهين (و الاتخاذ غير التسمية) فيصدق بالعبادة وهى واقعة حتما.
(قالَ سُبْحانَكَ) التسبيح تنزيه اللّه تعالى عما لا يليق به، وأصل الكلمة من السبح والسباحة، وهى الذهاب السريع البعيد فى البحر أو البر ومنه فرس سبوح.
أي أنزهك يا اللّه عن أن يكون معك إله آخر، وبذا أثبت له التنزيه عن المشاركة فى الذات والصفات.
ثم انتقل من هذا إلى تبرئة نفسه العالمة بالحق عن قول ما ليس بحق فقال :
(ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) أي ليس من شأنى ولا مما يصح أن يقع منى أن أقول قولا لا حق لى أن أقوله، لأنك أيدتنى بالعصمة عن مثل هذا القول الباطل.
وهو بتنزيهه اللّه أوّلا أثبت أن ذلك القول الذي نسب إليه قول لا شائبة فيه من الحق وليس من شأنه ولا مما يقع من مثله.
وقد أكد هذا النفي مرة أخرى بحجة أخرى ارتقى فيها من برهان راجع إلى نفسه وهو عصمته عليه السلام إلى برهان أعلى راجع إلى ربه علام الغيوب فقال :