شيء من أحكام ظاهره وباطنه لا يرضى في ذلك بحكم غيره ولا يرضى إلا بحكمه فإن عجز عنه كان تحكيمه غيره من باب غذاء المضطر إذا لم يجد ما يقيته إلا من الميتة والدم وأحسن أحواله: أن يكون من باب التراب الذي إنما يتيمم به عند العجز عن استعمال الماء الطهور وأما الرضى بدينه: فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى: رضي كل الرضى ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليما ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده وشيخه وطائفته وههنا يوحشك الناس كلهم إلا الغرباء في العالم فإياك أن تستوحش من الاغتراب والتفرد فإنه والله عين العزة والصحبة مع الله ورسوله وروح الأنس به والرضى به ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا بل الصادق كلما وجد مس الاغتراب وذاق حلاوته وتنسم روحه قال: اللهم زدني اغترابا ووحشة من العالم وأنسا بك وكلما ذاق حلاوة هذا الاغتراب وهذا التفرد: رأى الوحشة عين الأنس بالناس والذل عين العز بهم والجهل عين الوقوف مع آرائهم وزبالة أذهانهم والانقطاع عين التقيد برسومهم وأوضاعهم فلم يؤثر بنصيبه من الله أحدا من الخلق ولم يبع حظه من الله بموافقتهم فيما لا يجدي عليه إلا الحرمان وغايته: مودة بينهم في الحياة الدنيا فإذا انقطعت الأسباب وحقت الحقائق وبعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور وبليت السرائر ولم يجد من دون مولاه الحق من قوة ولا ناصر: تبين له حينئذ مواقع الربح والخسران وما الذي يخف أو يرجح به الميزان والله المستعان وعليه التكلان
والتحقيق في المسألة: أن الرضى كسبي باعتبار سببه موهبي باعتبار حقيقته فيمكن أن يقال بالكسب لأسبابه فإذا تمكن في أسبابه وغرس شجرته: اجتنى منها ثمرة الرضى فإن الرضى آخر التوكل فمن رسخ قدمه في التوكل


الصفحة التالية
Icon