فالمراد لنفسه: مطلوب محبوب لذاته ولما فيه من الخير فهو مراد إرادة الغايات والمقاصد والمراد لغيره: قد لا يكون في نفسه مقصودا للمريد ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده فهو مكروه له من حيث نفسه وذاته مراد له من حيث إفضاؤه وإيصاله إلى مراده فيجتمع فيه الأمران: بغضه وإرادته ولا يتنافيان لاختلاف متعلقهما وهذا كالدواء المتناهي في الكراهة إذا علم متناوله أن فيه شفاءه وكقطع العضو المتآكل إذا علم أن في قطعه بقاء جسده وكقطع المسافة الشاقة جدا إذا علم أنها توصله إلى مراده ومحبوبه بل العاقل يكتفي في إيثار هذا المكروه وإرادته بالظن الغالب وإن خفيت عنه عاقبته وطويت عنه مغبته فكيف بمن لا تخفى عليه العواقب فهو سبحانه وتعالى يكره الشيء ويبغضه في ذاته ولاينافي ذلك إرادته لغيره وكونه سببا إلى ما هو أحب إليه من فوته مثال أنه سبحانه خلق إبليس الذي هو مادة لفساد الأديان والأعمال والاعتقادات والإرادات وهو سبب شقاوة العبيد وعملهم بما يغضب الرب تبارك وتعالى وهو الساعي في وقوع خلاف ما يحبه الله ويرضاه بكل طريق وكل حيلة فهو مبغوض للرب سبحانه وتعالى مسخوط له لعنه الله ومقته وغضب عليه ومع هذا فهو وسيلة إلى محاب كثيرة للرب تعالى ترتبت على خلقه وجودها أحب إليه من عدمها:
منها: أن تظهر للعباد قدرة الرب تعالى على خلق المتضادات المتقابلات فخلق هذه الذات التي هي أخبث الذوات وشرها وهي سبب كل شر في مقابلة ذات جبريل التي هي أشرف الذوات وأطهرها وأزكاها وهي مادة كل خير فتبارك الله خالق هذا وهذا كما ظهرت لهم قدرته التامة في خلق الليل والنهار والضياء والظلام والداء والدواء والحياة والموت والحر والبرد
والحسن والقبيح والأرض والسماء والذكر والأنثى والماء والنار والخير والشر