قلت: هذا السؤال يورد على وجهين أحدهما: من جهة الرب سبحانه وتعالى وهل يكون محبا لها من جهة إفضائها إلى محبوبه وإن كان يبغضها لذاتها والثاني: من جهة العبد وهو أنه هل يسوغ له الرضى بها من تلك الجهة أيضا فهذا سؤال له شأن فاعلم أن الشر كله يرجع إلى العدم أعني عدم الخير وأسبابه المفضية إليه وهو من هذه الجهة شر وأما من جهة وجوده المحض: فلا شر فيه مثاله: أن النفوس الشريرة وجودها خير من حيث هي موجودة وإنما حصل لها الشر بقطع مادة الخير عنها فإنها خلقت في الأصل متحركة لا تسكن فإن أعينت بالعلم وإلهام الخير تحركت وإن تركت تحركت بطبعها إلى خلافه وحركتها من حيث هي حركة خير وإنما تكون شرا بالإضافة لا من حيث هي حركة والشر كله ظلم وهو وضع الشىء في غير موضعه فلو وضع في موضعه لم يكن شرا
فعلم أن جهة الشر فيه: نسبة إضافية ولهذا كانت العقوبات الموضوعات في محالها خيرا في نفسها وإن كانت شرا بالنسبة إلى المحل الذى حلت به لما أحدثت فيه من الألم الذي كانت الطبيعة قابلة لضده من اللذة مستعدة له فصار ذلك الألم شرا بالنسبة إليها وهو خير بالنسبة إلى الفاعل حيث وضعه موضعه فإنه سبحانه لا يخلق شرا محضا من جميع الوجوه والاعتبارات فإن حكمته تأبى ذلك بل قد يكون ذلك المخلوق شرا ومفسدة ببعض الاعتبارات وفي خلقه مصالح وحكم باعتبارات أخر أرجح من اعتبارات مفاسده بل الواقع منحصر في ذلك فلا يمكن في جناب الحق جل جلاله أن يريد شيئا يكون فسادا من كل وجه بكل اعتبار لا مصلحة في خلقه بوجه ما هذا من أبين المحال فإنه سبحانه بيده الخير والشر ليس إليه بل كل ما إليه فخير والشر
إنما حصل لعدم هذه الإضافة والنسبة إليه فلو كان إليه لم يكن شرا فتأمله فانقطاع نسبته إليه هو الذي صيره شرا


الصفحة التالية
Icon