﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [ التوبة: ٤٦-٤٧ ] فأخبر سبحانه: أنه كره انبعاثهم مع رسوله للغزو وهو طاعة وقربة وقد أمرهم به فلما كرهه منهم ثبطهم عنه ثم ذكر سبحانه بعض المفاسد التي كانت ستترتب على خروجهم لو خرجوا مع رسول الله ﷺ فقال لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا أي فسادا وشرا ولأوضعوا خلالكم أي سعوا فيما بينكم بالفساد والشر يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم أي قابلون منهم مستجيبون لهم فيتولد من بين سعي هؤلاء بالفساد وقبول أولئك منهم من الشر ما هو أعظم من مصلحة خروجهم فاقتضت الحكمة والرحمة: أن منعهم من الخروج وأقعدهم عنه فاجعل هذا المثال أصلا لهذا الباب وقس عليه فإن قلت: قد يتصور لي هذا في رضى الرب تعالى لبعض ما يخلقه من وجه وكراهته من وجه آخر فكيف لي بأن يجتمع الأمران في حقي بالنسبة إلى المعاصي والفسوق قلت: وهو متصور ممكن بل واقع فإن العبد يسخط ذلك ويبغضه ويكرهه من حيث هو فعل له بسببه وواقع بكسبه وإرادته واختياره ويرضى بعلم الله وكتابته ومشيئته وإذنه الكوني فيه فيرضى بما من الله ويسخط ما هو منه فهذا مسلك طائفة من أهل العرفان وطائفة أخرى رأوا كراهة ذلك مطلقا وعدم الرضى به من كل وجه
وهؤلاء في الحقيقة لا يخالفون أولئك فإن العبد إذا كرهها مطلقا فإن الكراهة إنما تقع على الاعتبار المكروه منها وهؤلاء لم يكرهوا علم الرب وكتابته
ومشيئته وإلزامه حكمه الكوني وأولئك لم يرضوا بها من الوجه الذي سخطها الرب وأبغضها لأجله


الصفحة التالية
Icon