قوله ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾، وقال فى النحل :﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ فزاد ﴿مِن دُونِهِ﴾ مرّتين، وزاد (نحن) لأَنَّ لفظ الإِشراك يدل على إِثبات شريك لا يجوز إِثباته، ودلَّ على تحريم أَشياءَ، وتحليل أَشياءَ من دون الله، فلم يحتج إِلى لفظ ﴿مِن دُونِهِ﴾ ؛ بخلاف لفظ العبادة ؛ فإِنَّها غير مستنكرة وإِنَّما المستنكرة عبادة شىء مع الله سبحانه وتعالى ولا يدل على تحريم شئ مما دلَّ عليه (أَشرك)، فلم يكن بُدٌّ (من تقييده بقوله :"من دونه".
ولَمَّا حذف "من دونه" من الاية مرَّتين حذف معه (نحن) لتطَّرد الآية فى حكم التَّخْفيف.
قوله :﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ وفى سبحان ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾ على الضِّدّ ؛ لأَنَّ التقدير : من إِملاق [بكم] نحن نرزقكم وإِياهم وفى سبحان : خشية إِملاق يقع بهم نحن نرزقهم وإِيَّاكم.
قوله :﴿ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وفى الثانية ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ وفى الثالثة ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ لأَنَّ الآية (الأُولى) مشتملة على خمسة أَشياء، كلُّها عظام جسَام، وكانت الوصيّة بها من أَبلغ الوصايا، فختم الآية بما فى الإِنسان من أَشرف السّجايا (وهو العقل) الَّذى امتاز به الإِنسان عن سائر الحيوان ؛ والآية الثانية مشتملة على خمسة أَشياء يقبح تعاطيها وارتكابها، وكانت الوصيّة بها تجرى مجْرَى الزَّجر والوعظ، فختم الآية بقوله :﴿تَذَكَّرُونَ﴾ أَى تتَّعظون بمواعظ الله ؛ والآية الثالثة مشتملة على ذكر الصّراط المستقيم، والتَّحريض على اتباعه، واجتناب مُنافيه، فختم الآية بالتَّقوى الَّتى هى مِلاك العمل وخير الزَّاد.


الصفحة التالية
Icon