فجعل "الجَنَّ" مصدرا لـ"جَنَّ". وقد يستقيم أنْ يكون "أَجَنَّ" ويكون ذا مصدره كما قال "العَطاء" و"الإعطاء". وأما قوله ﴿أَكْنَنتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ فإِنهم يقولون في مفعولها: "مَكْنُونٌ" ويقول بعضهم "مُكَنّ" وتقول: "كَنَنْتُ الجاريَةَ" إذا صُنتها و"كَنَنْتُها مِن الشَّمْسِ" و"أَكْنَنْتُها مِن الشَّمْسِ" أيضاً. ويقولون "هِيَ مَكْنُونَة" و"مُكَنَّةٌ" وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس والتسعون بعد المئة]:
قَدْ كُنْتُ أُعْطِيهُمُ مالِي وَأَمْنَحُهُمْ * عِرْضِي وَعِنْدَهُمُ في الصَّدْرِ مَكْنُونُ
لأنَّ قَيْساً تقول: "كَنَنْتُ العِلْمَ" فهو "مَكْنُونْ". [١١١] وتقول بنو تميم "أَكْنَنْتُ العِلْمَ" فـ"هُوَ مُكَنُّ"، و"كَنَنْتُ الجارِيَةَ فَـ"هِيَ مَكْنُونَةٌ". وفي كتاب الله عز وجل ﴿أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ وقال ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ﴾ وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع و التسعون بعد المائة]:
قَدْ كُنَّ يَكْنُنَّ الوُجُوهَ تَسَتُّراً * فَاليومَ حينَ بَدَوْنَ للنُّظّارِ
وقيسُ تنشد "قَدْكُن يُكْنِنَّ".
وقال ﴿فلََمَّآ أَفَلَ﴾ فهو من "يَأْفِل" "أُفُولاً".
﴿ فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذارَبِّي هَاذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ ياقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ﴾
وأما قوله للشمس ﴿هذارَبِّي﴾ فقد يجوز على "هذا الشيءُ الطالِعُ رَبّي".
أَوْ على أَنَّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم ﴿هذارَبّي﴾. وانما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا اذا هو زال انه لا ينبغي ان يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والتسعون بعد المئة]:
مَكَثْتَ حَوْلاً ثُمَّ جِئْتَ قاشِراً * لا حَمَلَتْ مِنْكَ كِراعٌ حافِرا