وكان واحدا وقتها - كما يجد كل مصلح أخلاقي في أية بيئة - نفوسا طيبة، يؤذيها هذا الدنس ; وتأخذها الأريحية والنخوة لتلبية دعوة الإصلاح والتطهير..
وربما قال قائل: إنه لو صنع رسول الله ( ﷺ ) ذلك فاستجابت له - في أول الأمر - جمهرة صالحة ; تتطهر أخلاقها، وتزكو أرواحها، فتصبح أقرب إلى قبول العقيدة وحملها.. بدلا من أن تثير دعوة أن لا إله إلا الله المعارضة القوية منذ أول الطريق !
ولكن الله - سبحانه - وهو العليم الحكيم، لم يوجه رسوله ( ﷺ ) إلى مثل هذا الطريق..
لقد كان الله - سبحانه - يعلم أن ليس هذا هو الطريق ! كان يعلم أن الأخلاق لا تقوم إلا على أساس من عقيدة، تضع الموازين، وتقرر القيم وتقرر السلطة التي ترتكن إليها هذه الموازين والقيم ; كما تقرر الجزاء الذي تملكه هذه السلطة وتوقعه على الملتزمين والمخالفين. وأنه قبل تقرير تلك العقيدة تظل القيم كلها متأرجحة ; وتظل الأخلاق التي تقوم عليها متأرجحة كذلك ; بلا ضابط، وبلا سلطان، وبلا جزاء !
فلما تقررت العقيدة - بعد الجهد الشاق - وتقررت السلطة التي ترتكن إليها هذه العقيدة.. لما عرف الناس ربهم وعبدوه وحده.. لما تحرر الناس من سلطان العبيد، ومن سلطان الشهوات سواء.. لما تقررت في القلوب:"لا إله إلا الله".. صنع الله بها وبأهلها كل شيء مما يقترحه المقترحون..
تطهرت الأرض من الرومان والفرس.. لا ليتقرر فيها سلطان العرب.. ولكن ليتقرر فيها سلطان الله.. لقد تطهرت من الطاغوت كله: رومانيا وفارسيا وعربيا على السواء.
وتطهر المجتمع من الظلم الاجتماعي بجملته. وقام النظام الإسلامي يعدل بعدل الله، ويزن بميزان الله ويرفع راية العدالة الاجتماعية باسم الله وحده ; ويسميها راية الإسلام، لا يقرن إليها اسما آخر ; ويكتب عليها:"لا إله إلا الله" !


الصفحة التالية
Icon