إن طبيعة هذا الدين هي التي قضت بهذا.. فهو دين يقوم كله على قاعدة الألوهية الواحدة.. كل تنظيماته وكل تشريعاته تنبثق من هذا الأصل الكبير.. وكما أن الشجرة الضخمة الباسقة الوارفة المديدة الظلال المتشابكة الأغصان، الضاربة في الهواء.. لا بد لها أن تضرب بجذورها في التربة على أعماق بعيدة، وفي مساحات واسعة ; تناسب ضخامتها وامتدادها في الهواء.. فكذلك هذا الدين.. إن نظامه يتناول الحياة كلها ; ويتولى شؤون البشرية كبيرها وصغيرها ; وينظم حياة الإنسان لا في هذه الحياة الدنيا وحدها، ولكن كذلك في الدار الآخرة ; ولا في عالم الشهادة وحده ولكن كذلك في عالم الغيب المكنون عنها ; ولا في المعاملات الظاهرة المادية، ولكن في أعماق الضمير ودنيا السرائر والنوايا.. فهو مؤسسة ضخمة هائلة شاسعة مترامية.. ولا بد له إذن من جذور وأعماق بهذه السعة والضخامة والعمق والانتشار أيضا..
هذا جانب من سر هذا الدين وطبيعته ; يحدد منهجه في بناء نفسه وفي امتداده ; ويجعل بناء العقيدة وتمكينها، وشمول هذه العقيدة واستغراقها لشعاب النفس كلها.. ضرورة من ضرورات النشأة الصحيحة، وضمانا من ضمانات الاحتمال والتناسق بين الظاهر من الشجرة في الهواء، والضارب من جذورها في الأعماق..


الصفحة التالية
Icon