وحين يقوم هذا المجتمع بالفعل يبدأ عرض أسس النظام الإسلامي عليه ; كما يأخذ هذا المجتمع نفسه في سن التشريعات التي تقتضيها حياته الواقعية، في إطار الأسس العامة للنظام الإسلامي.. فهذا هو الترتيب الصحيح لخطوات المنهج الإسلامي الواقعي العملي الجاد..
ولقد يخيل إلى بعض المخلصين المتعجلين، ممن لا يتدبرون طبيعة هذا الدين، وطبيعة منهجه الرباني القويم، المؤسس على حكمه العليم الحكيم، وعلمه بطبائع البشر وحاجات الحياة.. نقول لقد يخيل لبعض هؤلاء أن عرض أسس النظام الإسلامي - بل التشريعات الإسلامية كذلك - على الناس مما ييسر لهم طريق الدعوة، ويحبب الناس في هذا الدين !
وهذا وهم تنشئه العجلة ! وهم كالذي كان يقترحه المقترحون: أن تقوم دعوة رسول الله ( ﷺ ) - في أولها تحت راية قومية، أو اجتماعية، أو أخلاقية، تيسيرا للطريق !
إن النفوس يجب أن تخلص أولا لله، وتعلن عبوديتها له، بقبول شرعه وحده ورفض كل شرع غيره.. من ناحية المبدأ.. قبل أن تخاطب بأي تفصيل عن ذلك الشرع يرغبها فيه !
إن الرغبة يجب أن تنبثق من الرغبة في إخلاص العبودية لله، والتحرر من سلطان سواه.. لا من أن النظام المعروض عليها.. في ذاته.. خير مما لديها في كذا وكذا على وجه التفصيل.
إن نظام الله خير في ذاته، لأنه من شرع الله. ولن يكون شرع العبيد يوما كشرع الله.. ولكن هذه ليست قاعدة الدعوة.. إن قاعدة الدعوة أن قبول شرع الله وحدة ورفض كل شرع غيره هو ذاته الإسلام. وليس للإسلام مدلول سواه. فمن رغب في الإسلام فقد فصل في هذه القضية ولم يعد بحاجة إلى ترغيبه بجمال النظام وأفضليته.. فهذه إحدى بديهيات الإيمان !
٤ - منهج القرآن في عرض العقيدة