والحياة في جو القرآن لا تعني مدارسة القرآن ; وقراءته والاطلاع على علومه.. إن هذا ليس "جو القرآن" الذي نعنيه.. إن الذي نعنيه بالحياة في جو القرآن: هو أن يعيش الإنسان في جو، وفي ظروف، وفي حركة، وفي معاناة، وفي صراع، وفي اهتمامات.. كالتي كان يتنزل فيها هذا القرآن.. أن يعيش الإنسان في مواجهةهذه الجاهلية التي تعم وجه الأرض اليوم، وفي قلبه، وفي همه، وفي حركته، أن "ينشى ء" الإسلام في نفسه وفي نفوس الناس، وفي حياته وفي حياة الناس، مرة أخرى في مواجهة هذه الجاهلية. بكل تصوراتها، وكل اهتماماتها وكل تقاليدها، وكل واقعها العملي ; وكل ضغطها كذلك عليه، وحربها له، ومناهضتها لعقيدتها الربانية، ومنهجه الرباني ; وكل استجاباتها كذلك لهذا المنهج ولهذه العقيدة ; بعد الكفاح والجهاد والإصرار..
هذا هو الجو القرآني الذي يمكن أن يعيش فيه الإنسان ; فيتذوق هذا القرآن.. فهو في مثل هذا الجو نزل، وفي مثل هذا الخضم عمل.. والذين لا يعيشون في مثل هذا الجو معزولون عن القرآن مهما استغرقوا في مدارسته وقراءته والاطلاع على علومه..
والمحاولة التي نبذلها لإقامة القنطرة بين المخلصين من هؤلاء وبين القرآن، ليست بالغة شيئا، إلا بعد أن يجتاز هؤلاء القنطرة ; ويصلوا إلى المنطقة الأخرى ; ويحاولوا أن يعيشوا في "جو القرآن" حقا بالعمل والحركة. وعندئذ فقط سيتذوقون هذا القرآن ; ويتمتعون بهذه النعمة التي ينعم الله بها على من يشاء..
٦ - مجالات عرض الألوهية والعبودية والحاكمية في الأنعام


الصفحة التالية
Icon