وهذا كالتعبير في أول السورة عن الذين كفروا حين يشركون بالله غيره بأنهم بربهم يعدلون. ثم التعبير كذلك في أواخرها عن الذين يشرعون لأنفسهم بأنهم كذلك بربهم يعدلون. على النحو التالي:
(الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون)..
(قل: هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا. فإن شهدوا فلا تشهد معهم، ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا، والذين لا يؤمنون بالآخرة. وهم بربهم يعدلون).
ففي الآية الأولى هم يعدلون بربهم لآنهم يشركون به.. وفي الثانية هم يعدلون بربهم لأنهم يشركون به كذلك. ممثلا هذا الشرك في ادعاء حق الألوهية في التشريع..
ولهذا دلالته الموضوعية، وجماله التعبيري أيضا...
كذلك يكرر كلمة الصراط، وهو يعبر عن الإسلام جملة ; وهو يعبر عن قضية التشريع على هذا النحو:
(فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء. كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون. وهذا صراط ربك مستقيما. قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون)..
وبعد أن يتحدث عن الأنعام والحرث، والحلال والحرام في نهاية السورة كما جاء في مقدمة التعريف بالسورة يقول:
(وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله: ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون)..
فيدل على أن هذه القضية هي قضية العقيدة. وأن الالتزام فيها هو المضي على صراط الله، وأن الانحراف فيها هو الخروج عن هذا الصراط.. وأنها قضية إيمان أو كفر، وجاهلية أو إسلام.. كما فصلنا ذلك في مطلع الكلام !
وإلى هنا يحسن أن نكتفي في التعريف المجمل، لنواجه نصوص السورة في سياقها القرآني بعون الله.. ووفق طبيعة السورة سنعرضها موجة موجة - لا درسا درسا كما تعودنا ذلك في السور المدنية - فهذه الطريقة في العرض أدنى إلى طبيعة السورة ; وإلى تحقيق التناسق بينها وبين ظلالها كذلك. وبالله التوفيق. أ هـ ﴿الظلال حـ ٢ صـ ١٠٠٤ ـ ١٠٢٩﴾