فالمراد بالأجل الأول عمر كلّ إنسان، فإنّه يعلمه الناس عند موت صاحبه، فيقولون : عاش كذا وكذا سنة، وهو وإن كان علمه لا يتحقّق إلاّ عند انتهائه فما هو إلاّ علم حاصل لكثير من النّاس بالمقايسة.
والأجل المعلوم وإن كان قد انتهى فإنّه في الأصل أجل ممتدّ.
والمراد بالأجل الثاني ما بين موت كلّ أحد وبين يوم البعث الذي يبعث فيه جميع الناس، فإنَّه لا يعلمه في الدنيا أحد ولا يعلمونه يوم القيامة، قال تعالى :﴿ ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم ﴾ [ يونس : ٤٥ ]، وقال :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
وقوله :﴿ ثم أنتم تمترون ﴾ عطفت على جملة :﴿ هو الذي خلقكم من طين ﴾، فحرف ﴿ ثم ﴾ للتراخي الرتبي كغالب وقوعها في عطف الجمل لانتقال من خبر إلى أعجب منه، كما تقدّم في قوله تعالى :﴿ ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون ﴾ [ الأنعام : ١ ]، أي فالتعجيب حقيق ممّن يمترون في أمر البعث مع علمهم بالخلق الأول وبالموت.
والمخاطب بقوله :﴿ أنتم تمترُون ﴾ هم المشركون.
وجيء بالمسند إليه ضميراً بارزاً للتوبيخ.
والامتراء : الشكّ والتردّد في الأمر، وهو بوزن الافتعال، مشتقّ من المرية بكسر الميم اسم للشكّ، ولم يرد فعله إلاّ بزيادة التاء، ولم يسمع له فعل مجرّد.
وحذف متعلّق ﴿ تمترون ﴾ لظهوره من المقام، أي تمترون في إمكان البعث وإعادة الخلق.
والذي دلّ على أنّ هذا هو المماري فيه قوله :﴿ خَلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمّى عنده ﴾ إذ لولا قصد التذكير بدليل إمكان البعث لما كان لذكر الخلق من الطين وذكر الأجل الأول والأجل الثاني مُرجّح للتخصيص بالذكر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon