﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ ﴾ استبعادٌ واستنكارٌ لامترائهم في البعث بعد معاينتهم لما ذُكر من الحُجج الباهرة الدالةِ عليه، أي تمترون في وقوعه وتحقّقِه في نفسه مع مشاهدتكم في أنفسِكم من الشواهدِ ما يقطع مادةَ الامتراءِ بالكلية، فإن مَنْ قدَر على إفاضة الحياة وما يتفرَّع عليها من العلم والقدرة وسائِرِ الكمالاتِ البشرية على مادةٍ غيرِ مستعدّةٍ لشيء منها أصلاً كان أوضحَ اقتداراً على إفاضتها على مادةٍ قد استعدت لها وقارنَتْها مدةً، ومن هاهنا تبين أن ما قيل من أن الأجلَ الأولَ هو النومُ والثانيَ هو الموتُ أو أن الأول أجلُ الباقين أو أن الأول مقدارُ ما مضى من عُمُر كلِّ أحدٍ والثانيَ مقدارُ ما بقِيَ منه مما لا وجهَ له أصلاً، لما رأيتَ مِنْ أن مَساقَ النظم الكريم استبعادُ امترائهم في البعث الذي عبَّر عن وقته بالأجل المسمّى، فحيثُ أُريد به أحدُ ما ذُكر من الأمور الثلاثة ففي أيِّ شيء يمترون؟ ووصْفُهم بالامتراء الذي هو الشكُّ، وتوجيهُ الاستبعاد إليه مع أنهم جازمون بانتفاءِ البعث مُصِرّون على إنكاره كما يُنْبىء عنه قولُهم :﴿ أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ ونظائرُه للدلالة على أن جزمَهم المذكورَ في أقصى مراتبِ الاستبعاد والاستنكار. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٣ صـ ﴾