فكان قوله ﴿الحمد للَّهِ﴾ تصريحاً بأن المؤثر في وجود هذا العالم فاعل مختار خلقه بالقدرة والمشيئة وليس علة موجبة له إيجاب العلة لمعلولها، ولا شك أن هذه الفائدة عظيمة في الدين وإنما لم يقل الشكر لله، لأنا بينا أن الشكر عبارة عن تعظيمة بسبب انعام صدر منه ووصل إليك، وهذا مشعر بأن العبد إذا ذكر تعظيمه بسبب ما وصل إليه من النعمة فحينئذ يكون المطلوب الأصلي به وصول النعمة إليه وهذه درجة حقيرة، فأما إذا قال : الحمد لله، فهذا يدل على أن العبد حمده لأجل كونه مستحقاً للحمد لا لخصوص أنه تعالى أوصل النعمة إليه، فيكون الإخلاص أكمل، واستغراق القلب في مشاهدة نور الحق أتم، وانقطاعه عما سوى الحق أقوى وأثبت. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١٨﴾
فصل
قال الفخر :
الحمد : لفظ مفرد محلى بالألف واللام فيفيد أصل الماهية.
إذا ثبت هذا فنقول : قوله ﴿الحمد للَّهِ﴾ يفيد أن هذه الماهية لله، وذلك يمنع من ثبوت الحمد لغير الله، فهذا يقتضي أن جميع أقسام الحمد والثناء والتعظيم ليس إلا لله سبحانه.
فإن قيل : إن شكر المُنْعِم واجب، مثل شكر الأستاذ على تعليمه، وشكر السلطان على عدله، وشكر المحسن على إحسانه، كما قال عليه الصلاة والسلام :" من لم يشكر الناس لم يشكر الله ".
قلنا : المحمود والمشكور في الحقيقة ليس إلا الله، وبيانه من وجوه : الأول : صدور الإحسان من العبد يتوقف على حصول داعية الإحسان في قلب العبد، وحصول تلك الداعية في القلب ليس من العبد، وإلا لافتقر في حصولها إلى داعية أخرى ولزم التسلسل، بل حصولها ليس إلا من الله سبحانه فتلك الداعية عند حصولها يجب الفعل، وعند زوالها يمتنع الفعل فيكون المحسن في الحقيقة ليس إلا الله، فيكون المستحق لكل حمد في الحقيقة هو الله تعالى.