وثانيها : روي أنه تعالى أوحى إلى داود عليه السلام يأمره بالشكر، فقال داود : يا رب وكيف أشكرك ؟ وشكري لك لا يحصل إلا أن توفقني لشكرك وذلك التوفيق نعمة زائدة وإنها توجب الشكر لي أيضاً وذلك يجر إلى ما لا نهاية له ولا طاقة لي بفعل ما لا نهاية له.
فأوحى الله تعالى إلى داود : لما عرفت عجزك عن شكري فقد شكرتني.
إذا عرفت هذا فنقول : لو قال العبد أحمد الله كان دعوى أنه أتى بالحمد والشكر فيتوجه عليه ذلك السؤال.
إنما لو قال : الحمد لله فليس فيه ادعاء أن العبد أتى بالحمد والثناء، بل ليس فيه إلا أنه سبحانه مستحق للحمد والثناء سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه فظهر التفاوت بين هذين اللفظين من هذا الوجه، وثالثها : أنه لو قال أحمد الله كان ذلك مشعراً بأنه ذكر حمد نفسه ولم يذكر حمد غيره.
أما إذا قال : الحمد لله، فقد دخل فيه حمده وحمد غيره من أول خلق العالم إلى آخر استقرار المكلفين في درجات الجنان ودركات النيران، كما قال تعالى :﴿وآخردعواهم فِيهَا سبحانك اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ﴾ [ يونس : ١٠ ] فكان هذا الكلام أفضل وأكمل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١١٩ ـ ١٢٠﴾
لطيفة
قال الفخر :
اعلم أن هذه الكلمة مذكورة في أول سور خمسة.
أولها : الفاتحة، فقال :﴿الحمد للَّهِ رَبّ العالمين﴾ [ الفاتحة : ٢ ] وثانيها : في تأويل هذه السورة، فقال :﴿الحمد للَّهِ الذى خَلَقَ السموات والارض﴾ [ الأنعام : ١ ] والأول أعم لأن العالم عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، فقوله ﴿الحمد لله ربّ العالمين﴾ يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى.
أما قوله الحمد لله ربّ العالمين يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى.