ويعرف ذلك بذكر ﴿ الظلمات والنور ﴾ عقب ذكر ﴿ السماوات والأرض ﴾، وباختيار لفظ الخلق للسماوات والأرض، ولفظ الجعل للظلمات والنور، ومنه قوله تعالى: ﴿ هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ﴾ [ الأعراف : ١٨٩ ] فإنّ الزوج وهو الأنثى مراعى في إيجاده أن يكون تكملة لخلق الذكر، ولذلك عقّبه بقوله :﴿ ليسكن إليها ﴾ [ الأعراف : ١٨٩ ] والخلق أعمّ في الإطلاق ولذلك قال تعالى في آية أخرى ﴿ يا أيها النّاس اتّقوا ربّكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ﴾ [ النساء : ١ ] لأنّ كلّ تكوين لا يخلو من تقدير ونظام.
وخَصّ بالذكر من الجواهر والأعراض عرضين عظيمين، وهما : الظلمات والنور فقال ﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾ لاستواء جميع الناس في إدراكهما والشعور بهما.
وبذكر هذه الأمور الأربعة حصلت الإشارة إلى جنسي المخلوقات من جواهر وأعراض.
فالتفرقة بين فعل ( خلق ) وفعل ( جعل ) هنا معدود من فصاحة الكلمات.
وإنّ لكلّ كلمة مع صاحبتها مقاماً، وهو ما يسمّى في عرف الأدباء برشاقة الكلمة ففعل ( خلق ) ألْيق بإيجاد الذوات، وفعل ( جعل ) أليق بإيجاد أعراض الذوات وأحوالها ونظامها.
والاقتصار في ذكر المخلوقات على هذه الأربعة تعريض بإبطال عقائد كفار العرب فإنّهم بين مشركين وصابئة ومجوس ونصارى، وكلّهم قد أثبتوا آلهة غير الله ؛ فالمشركون أثبتوا آلهة من الأرض، وَالصابئة أثبتوا آلهة من الكواكب السماوية، والنصارى أثبتوا إلهية عيسى أو عيسى ومريم وهما من الموجودات الأرضية، والمجوس وهم المانوية ألّهوا النور والظلمة، فالنور إله الخير والظلمة إله الشرّ عندهم.
فأخبرهم الله تعالى أنّه خالق السماوات والأرض، أي بما فيهم، وخالق الظلمات والنور.


الصفحة التالية
Icon