والحجّة ناهضة على الذين كفروا لأنّ جميعهم عدا المانوية يعترفون بأنّ الله هو الخالق والمدبّر للكون، ولذلك قال الله تعالى: ﴿ أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذّكّرون ﴾ [ النحل : ١٧ ].
والخبر مستعمل في التعجيب على وجه الكناية بقرينة موقع ﴿ ثم ﴾ ودلالة المضارع على التجدّد، فالتعجيب من شأن المشركين ظاهر وأمّا المانوية فالتعجيب من شأنهم في أنّهم لم يهتدوا إلى الخالق وعبدوا بعض مخلوقاته.
فالمراد بـ ﴿ الذين كفروا ﴾ كلّ من كفر بإثبات إله غير الله تعالى سواء في ذلك من جعل له شريكاً مثل مشركي العرب والصابئة ومن خصّ غير الله بالإلهية كالمانوية.
وهذا المراد دلّت عليه القرينة وإن كان غالب عرف القرآن إطلاق الذين كفروا على المشركين.
ومعنى ﴿ يعدلون ﴾ يُسوّون.
والعدل : التسوية.
تقول : عدلت فلاناً بفلان، إذا سوّيته به، كما تقدّم في قوله :﴿ أو عَدْل ذلك صياماً ﴾ [ المائدة : ٩٥ ]، فقوله ﴿ بربّهم ﴾ متعلّق بـ ﴿ يعدلون ﴾ ولا يصحّ تعليقه بـ ﴿ الذين كفروا ﴾ لعدم الحاجة إلى ذلك.
وحذف مفعول ﴿ يعدلون ﴾، أي يعدلون بربّهم غيره وقد علم كلّ فريق ماذا عدل بالله.
والمراد يعدلونه بالله في الإلهيّة، وإن كان بعضهم يعترف بأنّ الله أعظم كما كان مشركو العرب يقولون : لَبَّيك لا شريك لك إلاّ شريكاً هو لك تملكه وما ملك.
وكما قالت الصابئة في الأرواح، والنصارى في الابن والروح القدس.
ومعنى العجيب عامّ في أحوال الذين ادّعوا الإلهيّة لغير الله تعالى سواء فيهم من كان أهلاً للاستدلال والنظر في خلق السماوات والأرض ومن لم يكن أهلاً لذلك، لأنّ محلّ التعجيب أنّه يخلقهم ويخلق معبوداتهم فلا يهتدون إليه بل ويختلقون إلهيّة غيره.
ومعلوم أنّ التعجيب من شأنهم متفاوت على حسب تفاوت كفرهم وضلالهم. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٦ صـ ﴾