ثم هاهنا وجوه : الأول : أن إنزال الملك على البشر آية باهرة، فبتقدير إنزال الملك على هؤلاء اللكفار فربما لم يؤمنوا كما قال :﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الملئكة﴾ إلى قوله ﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء الله﴾ [ الأنعام : ١١١ ] وإذا لم يؤمنوا وجب إهلاكهم بعذاب الاستئصال، فإن سنّة الله جارية بأن عند ظهور الآية الباهرة إن لم يؤمنوا جاءهم عذاب الاستئصال، فهاهنا ما أنزل الله تعالى الملك إليهم لئلا يستحقوا هذا العذاب والوجه الثاني : أنهم إذا شاهدوا الملك رهقت أرواحهم من هول ما يشهدون، وتقريره : أن الآدمي إذا رأى الملك فإما أن يراه على صورته الأصلية أو على صورة البشر.
فإن كان الأول لم يبقَ الآدمي حياً، ألا ترى أن رسول الله ﷺ لما رأى جبريل عليه السلام على صورته الأصلية غشي عليه، وإن كان الثاني فحينئذ يكون المرئي شخصاً على صورة البشر، وذلك لا يتفاوت الحال فيه سواء كان هو في نفسه ملكاً أو بشراً.
ألا ترى أن جميع الرسل عاينوا الملائكة في صورة البشر كأضياف إبراهيم، وأضياف لوط، وكالذين تسوروا المحراب، وكجبريل حيث تمثل لمريم بشراً سوياً.
والوجه الثالث : أن إنزال الملك آية باهرة جارية مجرى الالجاء، وإزالة الاختيار، وذلك مخل بصحة التكليف.
الوجه الرابع : أن إنزال الملك وإن كان يدفع الشبهات المذكورة إلا أنه يقوي الشبهات من وجه آخر، وذلك لأن أي معجزة ظهرت عليه قالوا هذا فعلك فعلته باختيارك وقدرتك، ولو حصل لنا مثل ما حصل لك من القدرة والقوة والعلم لفعلنا مثل ما فعلته أنت، فعلمنا أن إنزال الملك وإن كان يدفع الشبهة من الوجوه المذكورة لكنه يقوي الشبهة من هذه الوجوه.
وأما قوله ﴿ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾ فالفائدة في كلمة ﴿ثُمَّ﴾ التنبيه على أن عدم الانظار أشد من قضاء الأمر، لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٢ صـ ١٣٣ ـ ١٣٤﴾


الصفحة التالية
Icon