فالوجه والله تعالى أعلم أن يكون سبب تعجيل عقوبتهم بتقدير نزول الملك وعدم إيمانهم أنهم اقترحوا ما لا يتوقف وجوب الإيمان عليه إذ الذي يتوقف الوجوب عليه المعجز من حيث كونه معجزاً لا المعجز الخاص فإذا أجيبوا على وفق مقترحهم فلم ينجع فيهم كانوا حينئذ على غاية من الرسوخ في العناد المناسب لعدم النظرة"، ولعل الوجه الذي عولنا عليه هو الأولى، وقد أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، والاعتراض عليه بأن ﴿ لاَ يُنظَرُونَ ﴾ يدل على إهلاكهم لا على هلاكهم برؤية الملك يندفع بما أشرنا إليه كما لا يخفى، وليس بتكلف يترك له كلام ترجمان القرآن. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
﴿ وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ﴾
عطف على قوله :﴿ ولو نزّلنا عليك كتاباً ﴾، لأنّ هذا خبر عن تورّكهم وعنادهم، وما قبله بيان لعدم جدوى محاولة ما يقلع عنادهم، فذلك فُرض بإنزال كتاب عليهم، من السماء فيه تصديق النبي ﷺ وهذا حكاية لاقتراح منهم آية يصدّقونه بها.
وفي سيرة ابن إسحاق أنّ هذا القول واقع، وأنّ من جملة من قال هذا زمعة بن الأسود، والنضر بن الحارث بن كَلدة، وعبدة بن عبد يغوث ؛ وأبَي ابن خلف، والعاصي بن وائل، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومن معهم، أرسلوا إلى النبي ﷺ سل ربّك أن يبعث معك ملكاً يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك.
فقوله :﴿ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ﴾ أي لولا أنزل عليه ملك نشاهده ويخبرنا بصدقه، لأنّ ذلك هو الذي يتطلّبه المعاند.
أمّا نزول الملك الذي لا يرونه فهو أمر واقع، وفسّره قوله تعالى في الآية الأخرى :﴿ لولا أنزل إليه ملك فيكونَ معه نذيراً ﴾ في سورة الفرقان ( ٧ ).
والضمير عائد إلى الذين كفروا } وإن كان قاله بعضهم، لأنّ الجميع قائلون بقوله : وموافقون عليه.


الصفحة التالية